الدود ورق التوت الحديث التقطيع ويحصلون من تربيته على نتائج عجيبة، ولعل القارئ لا يصدق إذا قيل له إن رطلاً من الديدان (أي ٠٠٠ ر ٧٠٠ دودة) يتغذى على هذا الورق كان يتضاعف إلى ٥٠٠ ر ٩ رطل في اثنين وأربعين يوماً (٤٧). وكانت الديدان الكبار توضع بعدئذ في خيام صغيرة من القش تنسج حولها شرانقها بما تفرزه من الحرير، فإذا أتمت عملها أخذت الشرانق وألقيت في ماء ساخن فخرج الحرير من القالب الذي لف عليه وعالجوه ونسجوه وصنعوا منه أنواعاً عدة من الثياب والأقمشة المزركشة والمطرزة والأنسجة المشجرة التي كانت تصنع منها ملابس الطبقات العليا في العالم كله (١)، أما من ينتجون الحرير وينسجونه فكانوا يتخذون ثيابهم من القطن.
وكانت هذه الصناعة المنزلية تكمل بحوانيت في المدن حتى في القرون السابقة لميلاد المسيح، ولذلك وُجدت من بداية القرن الثالث قبل الميلاد جماعات من العمال في المدن نظمت هي والمشرفون عليها في طوائف من أرباب الحرف. وكان نمو هذه الصناعة في الحوانيت سبباً في ازدحام المدن بالسكان العاملين المجدين الذين جعلوا الصين في أيام كوبلاي خان تضارع من الوجهة الصناعية أوربا في القرن الثامن عشر بعد الميلاد. وقد كتب ماركو بولو في ذلك يقول:
"لكل حرفة من الحرف مائة متجر يهيئ كل واحد منها العمل لعشرة أو خمسة عشر أو عشرين من الصناع، وقد يصل هذا العدد في بعض الصناعات إلى أربعين … والسادة الأغنياء أصحاب الحوانيت لا يعملون بأيديهم بل يتظاهرون بالرقة والتسامي والتأنق في حديثهم وحركاتهم"(٥٠). وكانت هذه النقابات تعمل ما تعمله الصناعات المنظمة في هذه الأيام فتحدد التنافس وتنظم
(١) لم يكن من غير المألوف عند المضيف إذا جاءه ضيوف أن يمر عليهم بنسيج رقيق من الحرير يعرضه عليهم (٤٨) كما يعرض عليهم غيره آنية من الخزف أو يبسط أمامهم ملفاًً من الصور أو من الخط الجميل.