الذي يكرم وطنه ذكراه باعتباره "أبا المسرح البولندي"؛ ويجوز لنا أن نسميه "جاريك" بولندة، ولكن البولنديين لو سئلوا لوصفوا جاريك بأنه بوجوسلافسكي إنجلترة. وكان فيما يبدو أول بولندي كرس حياته كلها للمسرح، ممثلاً، وكاتباً مسرحياً، ومخرجاً، ومديراً لمسارح دائمة في وارسو ولفوف، ومديراً لشركات نشرت تذوق الدراما في طول البلاد وعرضها ووراء الحدود. قدم شكسبير وشريدان مترجمين، وألف هو نفسه كوميديات ما زال بعضها يمثل على المسرح البولندي. وكانت أفضل تمثيليات هذه الفترة هي "عودة النائب" بقلم جوليان أورسين نيمتشفتش الذي كان هو نفسه نائباً، فقد صور جانبي الأزمة السياسية تصويراً درامياً في حب نائب من دعاة الإصلاح لفتاة يدافع أبواها عن امتيازات الأقطاب وأساليب العيش في الماضي.
وآخر رجال التنوير البولنديين وأعظمهم هو هوجر كوللونتاج. نقل إليه تعليمه عدوى أفكار جماعة الفلاسفة، ولكنه ستر هرطقاته ستراً كافياً حتى حصل على وظيفة كاهن مريحة في كراكاو. وعينه يونياتوفسكي (١٧٧٣) عضواً في لجنة للتعليم، وضع لها كوللونتاج وهو لا يزال في الثالثة والعشرين برنامجاً لإصلاح تعليمي يتفق وخير برامج جيله. وحين ناهز السابعة والعشرين وكل بإعادة تنظيم جامعة كراكاو، وأنجز المهمة في بضع سنين، ثم بقي في الجامعة مديراً لها. وفي "خطابات من كاتب مجهول إلى رئيس الديت"(١٧٨٨ - ٨٩)، وفي "القانون السياسي للأمة البولندية"(١٧٩٠) قدم مقترحات أصبحت أساساً لدستور ١٧٩١.
وكافحت بولندة، بفضل حث شعرائها ومعلقيها، لتنير نفسها وتصبح دولة قوية قادرة على الدفاع عن ذاتها. وحانت الفرصة حين عرض فردريك وليم الثاني-خلف فردريك الثاني-على "ديت السنين الأربع" الذي استمر انعقاده من ١٧٨٨ إلى ١٧٩٢ تحالفاً تتعهد فيه بروسيا بأن يحمي جيشها القوي بولندة من أي تدخل أجنبي. وكانت روسيا في شغل بحربها مع تركيا والسويد، فالآن قد تستطيع بولندة أن تعتق نفسها من خنوعها الطويل لكاترين، وتتخلص من أعمال السلب والنهب التي اقترفها الجنود الروس على الأرض