مجيء هردر (١٧٧١) مبشراً؛ وقد زوده هردر بنصوص ملهمة للأوراتوربوات والكنتاتات، والأغاني؛ واتبع يوهان كرستوف أساليب أبيه وروحه، ثم ضاع في خضم تغيرات الدهر وتقلباته.
وعلى النقيض منه كان ولاء الابن الأصغر، يوهان كرستيان باخ، لإيطاليا. بعث إلى برلين وهو لا يتجاوز الخامسة عشرة عند موت أبيه، وهناك بذل له أخ غير شقيق، يدعى فلهلم فريدمان، العون وقام على تعليمه. وحين بلغ التاسعة عشرة ذهب إلى بولونيا، حيث أدى الكونت كافالييري أجوستينوليتا نفقات دراسته على الأب مارتيني؛ وقد افتتن الشاب بالحياة الإيطالية والموسيقى الكاثوليكية، فدخل في المذهب الكاثوليكي، وظل ست سنوات يخص الكنيسة أولاً بمؤلفاته الموسيقية. وفي ١٧٦٠ عين عازف أرغن في كتدرائية ميلان، وأصبح "باخ ميلان" ثم أثارت الأوبرا الإيطالية أثناء ذلك طموحه للتفوق في الموسيقى غير الدينية كما تفوق في الموسيقى الكنسية، فأخرج الأوبرات في تورين ونابلي (١٧٦١)؛ وشكا رؤساؤه الميلانيون من أن رشاقة هذه المؤلفات تتنافر مع مركزه في الكتدرائية فنقل يوهان كرستيان مقامه إلى لندن (١٧٦٢)، حيث حظيت أوبراته عادة بعروض طويلة الأمد. وما لبث أن عين رئيساً للموسيقى عند الملكة شارلوت صوفيا، ورحب بالصبي موتسارت ذي الأعوام السبعة عند مجيئه إلى لندن في ١٧٦٤، وراح يلهو معه على البيانو. وأحب الصبي هذا الموسيقى الذي اكتمل نضجه الآن، وأخذ عنه الكثير من الألماعات في تأليف الصوناتات والأوبرات والسمفونيات. وفي ١٧٧٨ ذهب باخ إلى باريس ليقدم أوبراه "أماديس الغاليين"، وهناك التقى ثانية بموتسارت، وكان ابتهاج فتى الثانية والعشرين به كابتهاجه قبل خمسة عشر عاماً. كتب فولفجانج لأبيه يقول "إنه رجل أمين ينصف الناس، وأنا أحبه في كل قلبي"(١٠٩).
ويمكن القول على الجملة أن أسرة باخ هذه ابتداء من فايت باخ الذي مات في ١٦١٩، وانتهاء بفلهلم فريدرش إرنست باخ الذي مات في ١٨٤٥، هي أبرز الأسر في تاريخ الثقافة. فمن بين نحو ستين من هؤلاء الباخين