على حق إذا شعرنا بأن الإرادة في الإنسان أهم من الذهن، فالذهن أداة صاغتها الإرادة للتعامل مع العالم الخارجي والميكانيكي، وما ينبغي أن يكون السيد المتسلط على الشخصية التي تستخدمه (٤٨).
ولكن إذا كان الحس الأخلاقي يبرر افتراضنا قدر من الإرادة الحرة، فإنه يبرر أيضاً اعتقادنا بخلود النفس، ذلك أن حسناً الأخلاقي يستحثنا إلى كمال تحبطه المرة بعد المرة دوافعنا الحسية، ونحن لا نستطيع تحقيق هذا الكمال في حياتنا على الأرض؛ فإذا كان هناك عدل في العالم فلا بد أن نفترض أننا سنمنح حياة متصلة بعد الموت لاكتمالنا الأخلاقي. وإذا كان هذا يفترض أيضاً وجود إله عادل، فإن هذا أيضاً يبرره العقل العملي. فالسعادة الأرضية لا تتفق دائماً والفضيلة، ونحن نشعر أن التوازن بين الفضيلة والسعادة سيصحح في مكان ما، وهذا لا سبيل إليه إلا إذا افترضنا وجود إله يحقق هذه المصالحة، وعليه فإن وجود سبب للطبيعة كلها، متمايز عن الطبيعة ذاتها، محتوياً لمبدأ … الانسجام الدقيق بين السعادة والفضيلة، هذا أيضاً من مسلمات "العقل العملي"(٤٩).
وقد عكس كانت النهج التقليدي المألوف. فبدلاً من أن يستنبط الحس الأخلاقي والناموس الأخلاقي من الله (كما فعل اللاهوتيون من قبل)، استنبط الله من الحس الأخلاقي. ويجب أن نتصور واجباتنا لا على أنها "أوامر تعسفية لإرادة غريبة عنا" بل قوانين أساسية لكل إرادة حرة في ذاتها". على أنه ما دامت تلك الإرادة والله كلاهما ينتميان إلى العالم النوميني، فينبغي أن نتقبل هذه الواجبات على أنها أوامر إلهية ولن ننظر إلى الأفعال (الأخلاقية) على أنها إلزامية لأنها أوامر الله، ولكنا سنعدها أوامر إلهية لأن فينا التزاماً باطنياً نحوها"(٥٠).
وإذا كان هذا التفكير "الإرادي"(العنيد) يشوبه بعض الغموض، فقد يكون السبب أن كانت لم يكن شديد التحمس لمحاولته التوفيق بين فولتير وروسو. فقد مضى "نقد العقل الخالص" شوطاً أبعد حتى من فولتير في الاعتراف بأن العقل الخالص لا يستطيع إثبات حرية الإرادة،