الحقيقة صينيين، بل هم من أصول أجنبية أو أبناء أجانب (٨٩). وقد دخلت المسيحية الصين على يد النساطرة، وكان ذلك حوالي عام ٦٣٦ م. وأظهر الإمبراطور ناي دزونج شيئاً من العطف عليها، وحمى الداعين لها من الاضطهاد، وبلغ من اغتباط نساطرة الصين بهذا التسامح أن أقاموا في عام ٧٨١ م نصباً تذكارياً سجلوا عليه تقديرهم لهذا المتسامح المستنير، ورجاءهم أن تعم المسيحية في القريب العاجل جميع أنحاء البلاد (٩٠).
ومن ذلك الحين ظل المبشرون اليسوعيون ذوو الغيرة الدينية والعلم الغزير، وظل المبشرون البروتستنت تؤيدهم الأموال الأمريكية التي لا ينضب لها معين، ظل هؤلاء وأولئك يبذلون أقصى جهودهم ليحققوا آمال النساطرة. فماذا كانت النتيجة؟ إن عدد المسيحيين في الصين في هذه الأيام لا يتجاوز ثلاثة ملايين أي أن واحداً في المائة من سكان الصين قد اعتنقوا المسيحية في ألف عام كاملة (١).
(١) لقد فاتت المسيحية فرصة أتيحت لها في القرن الثامن عشر حين قام النزاع بين اليسوعيين وغيرهم من المذاهب الكاثوليكية الرومانية في الصين. ذلك أن اليسوعيين كانوا جرياًً على براعتهم السياسية قد وجدوا وسيلة للتوفيق بين العنصرين الأساسيين في الديانات الصينية- عبادة الأسلاف وإجلال السماء- وبين العقائد المسيحية من غير أن يقوضوا دعائم النظم الدينية المتأصلة في الصين أو يعرضوا للخطر كيان الصين الأخلاقي. لكن رهبان الدمنيكيين والفرنسيسيين لم يرضهم إلا أن يفسروا الدين المسيحي على أصوله الدقيقة، وأخذوا يشهرون بكل ما في العقائد الدينية الصينية من مبادئ ومراسم ويقولون إنها من فعل الشيطان. وكان الإمبراطور كانج- شي رجلاًً مستنيراً شديد العطف على المسيحية، عهد إليه اليسوعيين أن يعلموا أبناءه وعرض هو نفسه أن يعتنق المسيحية ببعض الشروط؛ فلما أن أيدت الكنيسة المسيحية في الصين رسمياًً موقف الدمنيكيين والفرنسيسيين الجامد الشديد قبض يده عن معونة المسيحية، ولم يكتف خلفاؤه بأن يقفوا منها هذا الموقف السلبي بل قرروا أن يقاوموها مقاومة فعالة. وكانت مطامع الغربيين في الأيام الأخيرة ونزعتهم الأستعمارية من العوامل التي أضعفت قدرة المبشرين المسيحيين على الإقناع، وزادت الحركة المضادة للمسيحية التي يقوم بها الثوار الصينيون قوة على قوتها.