من عامة الشعب قبل الثورة الصناعية في صورة مثالية؛ ولكن لا نخطئ إذا قلنا أن المشاق التي تعرض لها آنذاك كانت تخفف منها التقاليد، والتعود، والهواء الطلق في كثير من الحالات. فلما تقدم التصنيع خفف من عناء العامل تخفيض ساعات العمل، وزيادة أجره، واتساع قدرته على الحصول على نصيب من السلع التي ازداد تدفقها من الآلات. ولكن تصف القرن الذي حدث فيه الانتقال من الحرفة والبيت إلى المصنع بعد ١٧٦٠، كان لعمال إنجلترا نصف قرن حافلاً بالذل اللاإنساني الذي كان أحياناً شراً من العبودية.
كان أكثر المصانع في تلك الفترة يشترط اثنتي عشر ساعة إلى أربع عشرة ساعة من العمل في اليوم على مدى ستة أيام في الأسبوع (١٨). وكانت حجة أرباب العمل أنه لا مفر من الاحتفاظ بالعامل ساعات طويلة لأنه لا يمكن الاعتماد عليه في الحضور بانتظام: ذلك أن عمالاً كثيرين كانوا يسرفون في الشراب يوم الأحد إسرافا يعوقهم عن الحضور إلى المصنع يوم الاثنين؛ وكان هؤلاء-بعد أن يشتغلوا أربعة أيام يلزمون بيوتهم في الثلاثة الباقية. وقد فسر آدن سمث هذه الظاهرة فقال "أن الجهد المفرط خلال أربعة أيام من الأسبوع هو في حالات كثيرة السبب الحقيقي للتبطل في الأيام الثلاثة الباقية"؛ ونبه إلى أن إطالة فترة العمل أو الزيادة في سرعته قد تؤدي إلى الانهيار البدني أو العقلي؛ وأردف "أن الرجل الذي يعتدل في العمل اعتدالاً يمكنه من أن يعمل باستمرار لا يحتفظ بصحته أطول من غيره فحسب بل أنه على مدى السنة يؤدي أكبر قدر من العمل"(١٩).
أما الأجور الحقيقية فلا يمكن بالطبع قياسها إلا مرتبطة بالأسعار. ففي ١٧٧٠ كان رغيف الخبز الذي يزن أربعة أرطال في نتنجهام يباع بنحو ستة بنسات، ورطل الجبن أو لحم الخنزير بأربعة، ورطل الزبد بسبعة، وقد حسب آدم سمث حوالي عام ١٧٧٣ متوسط أجر العامل اللندني بعشرة شلنات، وفي المراكز الأصغر بسبعة، وفي إدنبرة بخمسة (٢٠). وقال آرثر يونج حوالي عام ١٧٧٠ أن الأجر الأسبوعي للعامل الصناعي الإنجليزي