كلاسيكياً ومؤلفاً لمأساة. ثم أرسل إلى إلى كامبرج حين بلغ الرابعة عشرة، فلم يلبث أن مرض، فعاد إلى بيته، وبعد عام ذهب ثانية، وإذ كان ابناً لشريف من كبار الأشراف فقد تخرج أستاذاً في الآداب عام ١٧٧٦ دون امتحان. ثم درس القانون في لنكولنزان، ومارس المحاماة برهة قصيرة، ثم رشح للبرلمان في الحادية والعشرين عن دائرة جيب يهيمن عليها سير جيمس لوذر. وكان خطابه الافتتاحي في البرلمان مؤيداً تأييداً قوياً لما اقترحه بيرك من إصلاحات اجتماعية حتى أن بيرك وصف بأنه "ليس شظية من الشجرة العجوز (أي سر أبيه) بل هو الشجرة العجوز بعينها"(٦٠).
وإذ كان الابن الثاني لأبيه، فإنه لم ينل غير ٣٠٠ جنيه راتباً سنوياً، مع المعونة بين الحين والحين من أمه وأخواله؛ وقد شجعت هذه الظروف البساطة الصارمة في سلوكه وخلقه. فتجنب الزواج لأنه نذر نفسه بحملته للسعي إلى السلطان. ولم يلذه قمار ولا مسرح. ومع أنه في مرحلة لاحقة أفرط في الشرب تهدئة لأعصابه بعد صخب السياسة وضجيجها إلا أنه اكتسب شهرة بنقاء الحياة ونزاهة المقصد؛ وكان في وسعه أن يشتري، دون أن يكون في وسع أحد أن يشتره. وما سعى قط إلى الثراء، وندر أن بذل تنازلات للصداقة، ولم تكتشف غير قلة حميمة، وراء تحفظه البارد وضبطه لمشاعره، ما خفي من مرح ودود، بل من حنان ومحبة في بعض الأحايين.
وفي مطامع عام ١٧٨٢، حين أوشكت وزارة اللورد نورث على الاستقالة ضمن "الصبي"-كما لقب بعض النواب بت في تعطف-أحد خطبه إعلاناً فيه شيء من الغرابة:"أما عن نفسي، فلا يمكن أن أتوقع أن أكون عضواً في حكومة جديدة، ولكن لو كانت هذه العضوية في متناولي فإنني لزاماً علي أن أعلن أنني لن أقبل أبداً منصباً ثانوياً"(٦١)، أي أنه لن يقبل منصب أدنى من المقاعد الستة أو السبعة التي ألغت ما أصبح يسمى "مجلس الوزراء". فلما عرضت الوزارة الجديدة أن تعينه نائباً لوزير خزانة إيرلندة بمرتب ٥. ٠٠٠ جنيه في العام رفض، وواصل العيش على إيراده البالغ ٣٠٠ جنيه. وكان واثقاً من التقدم، وأمل أن يظفر به بفضل كفايته الشخصية، فعكف على العمل بهمة، وأصبح أكثر أعضاء مجلس