هذه بالطبع كانت بعض جوانب لندن اختيرت وقوداً لغضب الشباب الذي لم يجد له مكاناً بعد.
ولكن جونسن وصف لندن بعد ذلك بثلاث سنوات بأنها "مدينة اشتهرت بالثراء والتجارة ووفرة الخيرات وبكل لون من ألوان الكياسة والأدب، ولكنها تعج بأكوام القذارة التي لو رآها إنسان متوحش لأخذته الدهشة"(٨١). ذلك أن السلطات البلدية في ذلك الحين كانت تترك مهمة تنظيف الشوارع للمواطن، الذي أوصي بأن يحتفظ بالمظهر الأنيق للرصيف-أو التراب-أمام منزله. وفي ١٧٦٢ رتبت قوانين وستمنستر للرصف تنظيف البلدية للشوارع، وجمع القمامة، ورصف الطرق الرئيسية وترميمها، وإنشاء نظام للمجاري تحت الأرض. وسرعان ما نهجت أقسام أخرى من لندن هذا النهج. فكانت الطرقات المرتفعة تحمي المشاة، والبالوعات تصرف مياه الشوارع. وشقت الشوارع الجديدة في خطوط مستقيمة، وبنيت البيوت بناء أصلب وأمتن، وأطلقت العاصمة الوقور رائحة ألطف.
وخلت المدينة من مصلحة عامة للحريق، ولكن شركات التامين احتفظت بفرق خاصة للإطفاء بالخراطيم، للحد من خسائرها. وكان تراب الفحم والضباب أحياناً يتضافرا ليلبدا المدينة بغطاء قاتم صفيق يستحيل على المرء معه أن يميز صديقه من عدوه. فإذا انجلت السماء أشرقت بعض الشوارع الحوانيت الزاهية. وفي حي الستراند كانت أكبر وأغنى المتاجر في أوربا تعرض وراء نوافذها منتجات نصف العالم. وغير بعيد منها قامت مئات الحوانيت التي تشغى بعشرات الحرف، ثم انبثت هنا وهناك الفواخير ومصانع الزجاج ودكاكين الحدادين ومعامل الجعة. وأسهمت ضوضاء الصناع والتجار، والعربات والجياد، والباعة الجائلين والمغنين في الطرقات، في ضجيج الحياة وفي الإحساس بها. فإذا أراد المرء مكاناً أهدأ وهواء أنقى ففي وسعه أن يمشي الهوينا في حديقة سانت جيمس، أو يتطلع إلى السيدات الفاتنات يطوحن تنانيرهن الفضفاضة ذات اليمين وذات الشمال ويعرضن أحذيتهن الحريرية في البلمل. وفي الصباح يستطيع المرء شراء الحليب الطازج من فتيات يحلبن الأبقار على عشب الحديقة. وفي المساء قد