الخياطون يقوسون ظهورهم، والسباكون يستنشقون الرصاص، والصاغة والساعاتيون والأساكفة والحلاقون والخمارون يهرولون لتلبية مطالب السيدات والسادة؛ وفي جراب ستريت أو فليت ستريت الكتاب المأجورون يتملقون زبائنهم، ويسقطون الوزارات، ويتحدون الملك؛ وفي السجون رجال ونساء يموتون بالعدوى أو يرقون إلى جرائم أشد نكراً؛ وفي المباني الحقيرة والأقباء قوم جياع عاثروا الحظ مهزومون يستكثرون من أشباههم في شوق وبغير توقف.
ورغم هذا كله أحب جونسون وكاتب سيرته لندن. فقد أعجب بوزويل بـ "الحرية والنزوات … والشخصيات العجيبة، وبما في دنيا التجارة واللهو من شدة الزحام والعجلة والصخب، وبالعدد الغفير من الملاهي العامة، والكنائس الرفيعة والأبنية الباذخة، ورضى المرء وهو ينفذ ما يحلو له من خطط دون أن يعرفه أو يلحظه أحد"(٨٨) -هذا الانغمار في الزحام انغماراً حامياً حاناً للشخصية المجهولة. أما حونسون الذي استطاب وعمق "التدفق الشديد لحديث لندن" فقد حسم الأمر بسطر واحد كان حجة في بابه "إذا مل إنسان لندن فقد مل الحياة"(٨٩).