وأعانتهم على غرضهم سلسلة من الحوادث والظروف، منها أن التجار والمبشرين الذي غزوا الصين من الغرب قد ظلوا قرابة جيلين مراكز للعدوى الغربية أرادوا هم ذلك أو لم يريدوه، فقد كان طراز معيشتهم وأساليب متعتهم وراحتهم مما بعث في نفوس من حولهم من شباب الصين رغبة قوية في أن ينالوا حظاً من هذه الحضارة الراقية. وكان هؤلاء التجار والمبشرون رغم قلتهم قد قوّضوا بنشاطهم العقيدة الدينية التي كانت دعامة القانون الأخلاقي القديم؛ وأثاروا شبان البلاد على شيوخها بدعوتهم إلى نبذ عبادة الآباء؛ ومع أنهم كانوا يدعون إلى دين عيسى المسالم الوديع فقد كانوا إذا تأزمت الأمور تحميهم مدافع ترهب الشرق بضخامتها وقوتها وتخضعه لسيطرة الأوربيين. لقد كانت المسيحية في أول نشأتها ثورة المظلومين على الظالمين، وهاهي ذي قد عادت في يد معتنقيها من شباب الصين عاملاً من عوامل الثورة.
وكان زعيم الثورة ممن اعتنقوا المسيحية. ذلك أن أحد المستأجرين من الزراع القاطنين قرب كانتون قد ولد له في عام ١٨٦٦ م ولد مشاغب سماه العالم فيما بعد- في سخرية غير مقصودة- صون يات- صن؛ أي الشمس جنية السكينة (١٠). واعتنق صون المسيحية وقوى إيمانه بها فاندفع يحطم أصنام الآلهة في معبد قريته. وكان لهذا الغلام أخ له أكبر منه سناً هاجر من قبل إلى جزائر هاواي، فجاء بأخيه الأصغر إلى هنولولو وأدخله مدرسة يديرها راهب من أتباع الكنيسة الإنجليزية ويسير التعليم فيها بالأساليب الغربية البحتة (١١). ولما عاد صون إلى الصين التحق بالكلية الحربية البريطانية فكان أول من تخرج فيها من الصينيين.
وكانت هذه الدراسات من أكبر الأسباب التي أفقدت الرجل كل ما كان في قلبه من العقائد الدينية، كما كانت الإهانات وضروب الإذلال التي يلقاها هو وأبناء وطنه في الجمارك التي يسيطر عليها الأوربيون وفي الأحياء الأجنبية من