الآن علي" (١٦٢). وتوافد عليه رينولدز، وبيرك، ولانجتن، وفاني بيرني وغيرهم ليلقوا عليه تحية وداع أخيرة. ثم كتب وصيته، وقد خلف ٢. ٠٠٠ جنيه، أوصى منها بمبلغ ١. ٥٠٠ لخادمه الزنجي (١٦٣). وعالجه عدة أطباء، ورفضوا تقاضي أي أجر. وتوسل إليهم أن يشقوا ساقيه شقاً أعمق، فأبوا، فلما انصرفوا دفع مبضعاً أو مقصاً في عمق ربلتيه أملاً في فراغ مزيد من الماء والتخفيف من الورم المؤلم، وانطلق بعض الماء، ولكن انطلقت معه أيضاً عشر أوقيات من الدم. وفي تلك الليلة، ليلو ١٣ ديسمبر ١٧٨٤، قضى نحبه. وبعد أسبوع دفن في كنيسة وستمنستر.
لقد كان أغرب شخصية في تاريخ الأدب، أغرب حتى من سكارون أو بوب. ومن العسير أن نحبه لأول وهلة، فقد ستر رقته خلف ستار من الوحشية، ونافست خشونة عاداته لياقة كتبه. ولم ينل أحد قط مثل هذا الإعجاب الكثير ولا بذل مثل هذا الثناء الضنين. ولكنه كلما تقدم به العمر ازدادت الحكمة في كلامه. وقد أحاط حكمته بالتفاهات، ولكنه رفع هذه التفاهات إلى مستوى جوامع الكلم بقوة حديثه أو تلوينه. ولنا أن نشبهه بسقراط، الذي كان يتكلم أيضاً لأقل إثارة أو استفزاز، والذي يذكره الناس بكلامه المنطوق. وكان كلاهما أشبه بذباب الخيل المنبه، ولكن سقراط كان يلقي أسئلة ولا يعطي جواباً، أما جونسن فلم يلق سؤالاً وقد أجاب عن كل الأسئلة. ولم يكن سقراط على يقين من شيء، أما جونسن فكان على يقين من كل شيء. وقد ناشد كلاهما العلم أن يدع النجوم وشأنها ويدرس الإنسان. وواجه سقراط الموت مواجهة فيلسوف وبابتسامة، أما جونسن فواجهه بإرتجافات دينية تنافس أوجاعه الموهنة.
ولن تجد إنساناً يراه في صورة الكمال. وفي وسعنا أن نعرف لم تجتنبه الطبقة الأرستقراطية الإنجليزية وتجاهلت إماراته-خلا لانجتن وبوكلارك. ونحن ندرك أي "جون بول" كان يمكن لأن يكون لو جال في "متحف خزف" النبلاء، أو وسط تحف قصر "ستروبري هل" النفسية، إنه لم يخلق للحال، ولكنه أدى مهمة، هي تخويف البعض ليكفوا عن الرياء والكذب والنفاق والمبالغة في إظهار العاطفة، وليجعلنا ننظر إلى أنفسنا بأوهام أقل