وكان القانون من أسوأ مظاهر الحياة الفرنسية، ومع ذلك كان القضاة من أفضلها. واتبع جنوب فرنسا القانون الروماني، وشملها القانون العام والإقطاعي. يقول دتوكفيل "إن العدالة كانت معقدة، مكلفة، بطيئة"(١٨) -رغم أن هذه شكوى عامة في جميع البلاد. وكانت السجون قذرة، والعقوبات وحشية، والتعذيب القضائي ظل مسموحاً به في ١٧٧٤. وكان القضاة غير قابلين للعزل، منصفين غير قابلين للرشوة عادة. وقد ذهب السر هنري مين إلى أن رجال القضاء في فرنسا "من حيث جميع الصفات المطلوبة في المحامي، والقاضي، والمشرع، يبزون كثيراً نظراءهم في طول أوربا وعرضها"(١٩). وكانوا يشغلون مناصبهم مدى الحياة، ومن حقهم توريثها لأحد الأبناء. ووجد أكفأهم طريقه إلى البرلمانات الإقليمية، واختبر أغناهم وأعظمهم نفوذاً أعضاء في برلمان باريس. وما وافى عام ١٧٧٤ حتى كانت طبقة "نبلاء الرداء القضائي"-أي القضاة الوارثيون قد انتهت إلى اعتبار نفسها مساوية إلا أقل قليلاً لطبقة "نبلاء السيف" في الكرامة والاستحقاق. ولم تسمح بعضوية البرلمانات إلا لمن ولدوا في إحدى الطبقتين الأرستقراطيتين.
كان من رأي مونتسكيو أن "الهيئات الوسيطة" بين الملك والشعب هي كوابح مفيدة على السلطة الأوتقراطية، وحدد قوتين من هذه الهيئات هما النبلاء ملاك الأراضي والقضاة ولكي تقوم البرلمانات بهذه الوظيفة الكابحة طالبت بسلطة التصديق (أو التسجيل) على أي مرسوم ملكي، أو رفضه حسبما يتفق في رأيها أو يتعارض مع القوانين والحقوق الراسخة. وأعربت عدة برلمانات إقليمية، خصوصاً برلمانات جرينوبل، وروان، وربن، عن مبادئ شبه ديموقراطية، أحياناً بعبارات مقتبسة من روسو عن "الإرادة العامة" و "الموافقة الحرة للأمة"، من ذلك أن برلمان رين أعلن في ١٧٨٨ "أن الإنسان ولد حراً، وأن الناس في الأصل متساوون؛ و "أن هذه الحقائق ليست في حاجة إلى إثبات" (٢٠)، على أن البرلمانات كانت بوجه عام المدافع القوي عن فوارق الطبقات وامتيازاتها. وقد شاركت نزاعاتها مع السلطة الملكية في الإعداد للثورة، ولكن حين اقتربت الثورة انحازت إلى النظام القديم، وسقطت بسقوطه.