١٧٨٣ بعثاً ظافراً أقامها من كبوتها عام ١٧٦٣. أما جماعة الفلاسفة فقد هللوا للنتيجة ورأوها انتصاراً لآرائهم، والحق، كما قال توكفيل "أن الأمريكيين بدوا كأنهم نفذوا ما حلم به كتابنا"(١١٣). ورأى الكثير من الفرنسيين في الإنجاز الذي حققته المستعمرات إرهاصاً يبشر بانتشار الديموقراطية في أوربا كلها. وسرت الأفكار الديموقراطية حتى إلى الطبقة الأرستوقراطية والبرلمانات. وأصبح إعلان الحقوق الذي أصدره مؤتمر فرجينيا الدستوري في ١٢ يونيو ١٧٧٦، وقانون الحقوق الذي ألحق بالدستور الأمريكي، من بعض الوجوه نموذجين حذا حذوهما إعلان حقوق الإنسان الذي أعلنته الجمعية التأسيسية الفرنسية في ٢٦ أغسطس ١٧٨٩.
ولقد كان البهاء الأخير لفرنسا الإقطاعي، وأوج فروسيتها، أن تموت وهي تعين على إرساء دعائم الديموقراطية في أمريكا. صحيح أن معظم رجال الدولة الفرنسيين كانوا يفكرون بلغة بعث قوة فرنسا وحيويتها. غير أن حماسة النبلاء من أمثال لافاييت وروكامبو كانت الحقيقة لأمراء فيها. فلقد خاطروا بحياتهم غير مرة في سبيل الدولة الوليدة. كتب الكونت سيجور الشاب يقول "لم أكن قط الوحيد الذي خفق قلبه لصوت استيقاظ الحرية وهي تكافح للتخلص من السلطة الاستبدادية"(١١٤). ونزل النبلاء الشهير عن حقوقهم الإقطاعية في الجمعية التأسيسية (٤ أغسطس ١٧٨٩) صور ومهد له هنا سلفاً. لقد كان ضرباً باسلاً من الهارا-كيري، بذلت فيه فرنسا المال والدم لأمريكا، ونالت لقاء ذلك دفعة جديدة قوية للحرية.