لقبولها من غير أن تقع في براثن الفوضى والعبودية؛ وإذن لنشأت من نمو الصناعة عاماً بعد عام طبقة جديدة من السكان لعلها كانت تستطيع أن تخطو بسلام إلى ميدان السلطة السياسية، كما خطا الصناع إليها في إنجلترا وحلوا محل كبار ملاّك الأراضي الزراعية.
ولكن الحكومة الجديدة ألفت نفسها بلا جيش، ولا زعماء مجربين، ولا مال؛ ووجد الكومنتانج، أي حزب الشعب الذي أنشئ لتحرير الأمة، أن بد له أن يقف موقف العاجز وهو يرى الأمة تخضع لرؤوس الأموال الأجنبية والوطنية. وكان هذا الحزب قد ولد في مهاد الديمقراطية ونشأ في أحضان الشيوعية، ثم أضحى جل اعتماده على مصارف شنغهاي المالية، فترك الديمقراطية وانحاز إلى الدكتاتورية وحاول أن يقضي على اتحاد الصناع (١). ذلك الحزب يعتمد على الجيش، ولا بد للجيش من مال، والمال لا يأتي إلا من القروض؛ وإلى أن يكون للجيش من القوة ما يمكنه من إخضاع الصين فإن الحكومة ستظل عاجزة عن فرض الضرائب على الصين، وإلى أن تستطيع الحكومة فرض الضرائب على الصين ستظل تتلقى النصح والإرشاد من حيث تتلقى المال. على إنها مع هذا كله قد أنجزت الشيء الكثير، فقد أعادت إلى الصين إشرافها التام على التعريفة الجمركية وعلى صناعاتها - داخل نطاق قوة المال العالمية - وأنشأت ودربت وجهزت جيشاً قد يستخدم في يوم من الأيام لقتال غير الصينيين؛ ووسعت رقعة الأقاليم التي تعترف بسلطة الحكومة، وقللت في هذه الرقعة من قوة قطاع الطرق الذين كانوا يجثمون على أنفاس الأمة ويكادون يقضون على حياتها الاقتصادية. وهي تسير في هذا سيراً بطيئاً لأن إشعال نار الثورة مستطاع في يوم وليلة ولكن إقامة حكومة ثابتة يحتاج إلى جيل.
(١) وقد أعدم في عام ١٩١٧ م وحدها آلاف مؤلفة من العمال لانضمامهم إلى هذه الاتحادات.