وهذا الحكم صارم ولكن جريم وجولدوني وافقا عليه (٥٧). إلا أن هؤلاء النقاد الثالثة كانوا كلهم أجانب. وقد عكس الذوق الموسيقي للباريسيين من علية القوم آدابهم، فمال إلى القصد في التعبير والرتابة في الشكل، وظل يردد أصداء عصر لويس الرابع عشر. ومع ذلك ففي هذه السنوات الأولى للحكم الجديد بالضبط فقد نصف الباريس قصدهم، وربما آدابهم، في وطيس المعركة الدائرة حول بكيني وجلوك. تأمل رسالة جولي ليسبيناس المؤرخة ٢٢ سبتمبر ١٧٧٤، "أنني أشاهد باستمرار "أورفي وأوريديتشي" وأنا تواقة إلى الاستماع مراراً وتكراراً في اليوم لذلك اللحن الذي يمزق نياط قلبي "لقد فقدت حبيبتي أوريديتشي" (٥٨). أن باريس لم تكن صماء لا تستطيب الموسيقى، وإن زاد ما استوردته منها على ما أنتجته.
وفي ١٧٥١ قدم فرانسوا-جوزف جوسيك، البالغ سبعة عشر ربيعاً، من موطنه هاينو إلى باريس يحمل خطاب تقديم إلى رامو. وحصل له الفنان العجوز على وظيفة قائد للأوركسترا الخاص الذي يديره الكسندر-جوزف دلابويلنيير. وألف جوسيك لهذه "الفرقة" (١٧٥٤ وما بعدها) سمفونيات سبقت سمفونية هيدن الأولى بخمس سنوات، وفي ١٧٥٤ نشر رباعيات سبقت رباعية هيدن بسنة. وفي ١٧٦٠ قدم في كنيسة سان روش "قداس الموتى" الذي استحدث فكرة العزف على آلات نفخ "التوبا" خارج الكنيسة. ولم يكن لإقدام جوسيك وتعدد مواهبه نهاية. ففي ١٧٨٤ أسس "مدرسة الغناء الملكية"، التي أصبحت نواة كونسرفتوار باريس الموسيقي الذائع الصيت. وقد حقق نجاحاً متواضعاً في الأوبرا، الهازلة منها والجادة. ثم تكيف مع الثورة، وألف بعضاً من أشهر أغانيها، ومنها "ترنيمة للكائن الأعلى" لاحتفال روبسبيير (٨ يونيو ١٧٩٤). وعمر بعد انحسار جميع الموجات السياسية، ومات في ١٨٢٩ بالغاً من العمر خمسة وثمانين عاماً.
أما أبرز شخصية في أوبرا ذلك العهد الفرنسية فهو أندريه جريتري. وكان أجنبياً ككثيرين غيره من أقطاب الموسيقى الفرنسية في القرن الثامن