رأس من يصوره بعناية كلما استطاع، ثم ينحت تمثاله أو يصبه وفق هذه المقاييس، وحين أثير سؤال عن جثة نبشت في باريس وهل هي حقيقة جثة جون بول جونز كما قيل، قورن شكل الجمجمة ومقاييسها بشكل الصورة التي صبها أودون في ١٧٨١ ومقاييسها، وبلغ من توافق الشكلين أن عد التطابق مؤكداً (٦٦). وقد نحت من رخام التمثال الذي صنعه لميرابو كل غارات الجدري، وأبرز كل الظلال والتجاعيد، بل توقد العينين وعمقها، والشفتين تنفرجان استعداداً للكلام.
وسرعان ما أسعد الجبابرة الثورة أن يجلسوا إليه ليصنع تماثيلهم، فنقلهم إلينا بأمانة أحالت الرخام والبرونز إلى لحم التاريخ وروحه. وهكذا نستطيع الآن أن نرى فولتير، وروسو، وديدرو، ودالامبير، وبوفون، وطورجو، ولويس السادس عشر، وكاترين الثانية، وكاليوسترو، ولافاييت، ونابليون، وناي. وحين قدم فولتير إلى باريس عام ١٧٧٨ صنع له أودون عدة تماثيل تصوره: منها تمثال نصفي برونزي محفوظ الآن في اللوفر، ويبدو فيه الإرهاق والكلال، وتمثال نصفي شبيه به في متحف فكتوريا وألبرت، وآخر في مجموعة ولس، ثم رأس مبتسم مهذب مثالي الشكل طلبه فردريك الأكبر، وأشهر الكل ذلك التمثال الذي قدمته مدام دني إلى الكوميدي-فرانسيز: تمثال فولتير جالساً في روب فضفاض، أصابع نحيلة تمسك بذراعي المقعد، وشفاه رقيقة، وفم أهتم، وفي العينين الحزينتين ما زالت آثاره من مرح-أنه واحد من التماثيل العظيمة في تاريخ الفن. وفي ذلك العام، حين سمع أودون بوفاة روسو، هرع إلى أرمنون-فيل وصب قناعاً لغريم فولتير الميت، ومنه صنع التمثال النصفي المحفوظ الآن باللوفر، وهو أيضاً آية من آيات الفن.
وكان هناك أبطال أمريكيون أيضاً، وقد صنع أودون رءوساً تمثلهم نابضة بالحياة حتى أن قطع العملة المسكوكة في الولايات المتحدة ما زالت تحمل صورة لواشنطن، وفرانكلين، وجفرسن. وحين عاد فرانكلين إلى أمريكا عام ١٧٨٥ ذهب أودون معه؛ وأسرع إلى مونت فرنون وأقنع