وإذا كان تأثير فولتير هو الغالب عند شامفور، فإن تأثير روسو كان كاملاً وسافراً في جاك-هنري برناردان دسان-بيير. ففي الحادية والثلاثين (١٧٦٨) كلف بوصفه مهندساً بمهمة حكومية في الأيل دفرانس، المسماة الآن موريتبوس. وفي تلك الجزيرة الجبيلة، المطيرة، الكثيرة الثمر، وجد ما خاله "حالة طبيعية" التي تخيلها روسو-رحالاً ونساء يعيشون ملتصقين بالأرض لم تلوثهم رذائل المدينة. فلما عاد إلى فرنسا (١٧٧١) أسبح صديقاً مخلصاً لجان-جاك، وتعلم أن يحتمل غضباته، وأن يرى فيه مخلصاً ثانياً للبشرية. وفي كتابه "رحلة إلى الأيل دفرانس"(١٧٧٣) وصف حياة سكان الجزيرة البسيطة وإيمانهم الديني الذي يشددهم. وقد رأى أسقف أكس في هذا الكتاب انتقاضاً سليماً على فولتير، وحصل للمؤلف على معاش ملكي قدره ألف جنيه. واستجاب برناردان بكتاب عنوانه "دراسات للطبيعة"(١٧٨٤)، وآخر عنوانه "توافقات الطبيعة"(١٧٩٦)، وصف فيهما عجائب حياة النبات والحيوان، وزعم أن الأمثلة الكثيرة للتوفيق، والهدف، والخطة، تثبت وجود عقل أعلى. وفاق روسو في تمجيده للوجدان فوق العقل. "كما تقدم العقل أتانا بالدليل على تفاهتنا، وبدلاً من أن يهدئ أحزاننا بأبحاثه، فهو كثيراً ما يزيدها بنوره .. أما الوجدان … فيعطينا دافعاً سامياً، وهو إذ يخضع عقولنا يصبح أنبل الغرائز وأكثرها إشباعاً في حياة البشر"(٩٣).
وقد ألحق برناردان بالطبعة الثانية من "الدراسات"(١٧٨٨) رواية سماها "بول وفرجيني" ظلت واحدة من عيون الأدب الفرنسي خلال التقلبات الكثيرة التي اعترت الذوق الأدبي، وخلاصتها أن امرأتين فرنسيتين حبليين تنزلان موريتيوس، إحداهما مات زوجها، والأخرى هجرها حبيبها. وتلد الواحدة بول والأخرى فرجيني. ويشب الطفلان ويترعرعان في واد في الجبل، وسط مناظر رائعة ينتشر فيها أريح الأزهار الطبيعية. ويشكل أخلاقهما حب الأم وتعاليم الدين. حتى إذا بلغا الحلم أحب أحدهما الآخر-