أما أهم أعمال رستيف فهو "المعاصرات" الذي طال حتى بلغ خمسة وستين مجلداً (١٧٨٠ - ٩١). وكان لهذه القصص القصيرة عنوان فرعي جذاب هو "مغامرات أجمل نساء عصرنا"-وفيه وصف لحياة وغراميات وآداب بائعات الزهر، وبائعات القسطل، وبائعات الفحم، والخياطات، والحلاقات، بلغ من الواقعية والدقة مبلغاً أتاح للنساء الحقيقيات أن يتبين أنفسهن فيه ويلعن المؤلف حين يلقينه في الشوارع (١٠٣). ومثل هذا المشهد العريض من الحياة البشرية لم يقدمه كاتب في الأدب الفرنسي حتى جاء بلزاك. وقد أدان النقاد إدمان رستيف على "الموضوعات المنحطة"، ولكن سياستيان مرسييه، الذي كان كتابه "لوحة باريس". (١٧٨١ - ٩٠) يعرض مسحاً للمدينة أفضل ترتيباً، حكم بأنه "أعظم قصاصينا غير منازع"(١٠٤).
وقبيل نشوب الثورة بدأ رستيف يسجل في "ليالي باريس"(١٧٨٨ - ٩٤) الأحداث التي شهدها (أو تخيلها) في جولاته الليلية. وهنا أيضاً كان أهم ما لاحظه الأعماق السفلى لباريس-الشحاذين، والحمالين، والنشالين، والمهربين، والمقامرين، والسكارى، وخاطفي الأطفال، واللصوص، والمنحرفين، والبغايا، والقوادين، والمنتحرين. وقد زعم أن حظه من السعادة كان ضئيلاً، ومن الشقاء موفوراً، وصور نفسه بطلاً منقذاً في حالات كثيرة. وقد ألم بالمقاهي القريبة من الباليه-رويال، ورأى الثورة تتشكل، وسمع كامي ديمولان يدعو الناس دعوته المشهورة إلى حمل السلاح، ورأى الدهماء الظافرين يجوبون المدينة عرضين رأس دلوني مأمور سجن الباستيل المفصول عن جسده، ورأى النساء يزحفن على فرساي لأسر الملك (١٠٥). ثم لم يلبث أن مل العنف والإرهاب وعدم الأمان. وتعرض غير مرة لخطر القبض عليه، ولكنه نجا بإعلانه الولاء للثورة. أما في مجالسه الخاصة فكان يندد بهذا كله ويتمنى لو أمكن "رد لويس السادس عشر الطيب إلى مكان السلطة"(١٠٦). وقد عنف في لوم روسو لأنه أطلق العنان لانفعالات الشباب والجهال والعاطفيين، "أن كتابه أميل هو الذي