وقد عاش هذا الرجل، وهو بيير-أوجستن كارون، كما عاش فولتير، أربعة وعشرين عاماً دون أن يعرف أسمه التاريخي. وكان أبوه صانع ساعات في ضاحية سان-ديني الباريسية. وبعد أن تمرد قليلاً راض نفسه على احتراف حرفة أبيه. فلما بلغ الحادية والعشرين اخترع ضرباً جديداً من الهروب مكنه من أن يصنع "ساعات ممتازة بلغت غاية ما يناسب من الصغر والتسطح"(١٠٩). وقد أبهج لويس الخامس عشر بعينة منها، وصنع لمدام بومبادور ساعة كانت من الصغر بحيث أمكن إدخالها في خاتمها، وزعم أن هذه أصغر ما صنعه الصانعون من الساعات إطلاقاً. وفي ١٧٥٥ اشترى من مسيو فرانكيه المسن وظيفته التي كان يشغلها بوصفه أحد المشرفين على المائدة الملكية الذين كانوا يقومون على خدمة الملك خلال تناوله الطعام؛ ولم تكن بالوظيفة المرموقة، ولكنها أتاحت لبيير مدخلاً إلى البلاط. وبعد عام مات فرانكيه، فتزوج بيير أرملته (١٧٥٦) وكانت تكبره بخمس سنين. وإذ كانت تلك تملك لإقطاعية صغيرة، فقد أضاف بيير اسم الإقطاعة إلى اسمه، فأصبح بومارشيه، فلما ماتت زوجته (١٧٥٧) ورث أملاكها.
ولم يكن قد حظي بأي تعليم ثانوي على الإطلاق، ولكن الجميع-حتى الأرستقراطيين الذين ساءهم تسلقه السريع-أقروا بتيقظ ذهنه وسرعة خاطره. والتقى في الصالونات والمقاهي بديدرو، ودالامبير، وغيرهما من جماعة الفلاسفة، فنهل من التنوير. وقد استرعى انتباه بنات لويس الخامس عشر العوانس تحسين أدخله في نظام دواسة الهارب، وفي ١٧٥٩ بدأ يعطيهن دروساً في الهارب. وطلب المصرفي جوزف بآري-دوفرينه إلى بومارشيه أن يستعين بالآنسات الملكيات في الحصول على تأييد لويس الخامس عشر للمدرسة الحربية التي كان رجل المال يديرها، وأفلح بيير في الأمر، فأعطاه باري-دوفرنيخ أسهماً قيمتها ستون ألف فرنك. يقول بومارشيه "لقد أطلعني على أسرار عالم المال … وبدأت أجمع ثروتي بإرشاده، وعملاً بنصيحته دخلت في مضاربات عديدة، أعانني في بعضها بماله أو باسمه"(١١٠). وهكذا أصبح بومارشيه فيلسوفاً من أصحاب الملايين، مقتدياً في هذا وفي كثير غيره بالسوابق التي وضعها فولتير. فما وافى عام