للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

جريم "نفدت كل المقاصير حتى الحفلة الخامسة" (١١٨). ولكن حظرت التمثيلية في اللحظة الأخيرة بحجة أنها قد تحث تأثيراً ضاراً بالقضية المعلقة في البرلمان.

ومضت سنة أخرى، وجاء ملك جديد خدمه بومارشيه ببسالة معرضاً حياته للخطر غير مرة، فأعطى الإذن، وفي ٢٣ فبراير ١٧٧٥ وصلت "حلاق أشبيليه" آخر الأمر إلى خشبة المسرح. غير أن الحظ لم يحالفها، فقد كانت مفرطة الطول، وكانت الإثارة التي مهدت لها قد جعلت جمهور النظارة يتوقع منها فوق ما ينبغي. وعليه ففي يوم واحد راجعها بومارشيه واختصرها في عملية جراحية رائعة، فنقيت الكوميديا من التعقيدات المشوشة، وأخليت الفكاهة من الإسهاب في الحديث، وأزال بومارشيه العجلة الخامسة من العربة على حد قوله-وحققت التمثيلية انتصاراً في المساء الثاني ووصفتها مدام دودفان التي كانت تحضر الحفل بأنها "نجحت نجاحاً مفرطاً .. ولقيت من الاستحسان والتصفيق ما جاوز كل الحدود" (١١٩).

ثم تحداه الأمير كونتي أن يكتب تتمة للمسرحية يبدو فيها فيجارو شخصية أكثر تطوراً ونضجاً. وكان المؤلف مستغرقاً الآن في دور المنقذ لأمريكا، فلما أنجز تلك المهمة عاد إلى المسرح وأخرج كوميديا خلقت تاريخاً أكثر درامية حتى من "طرطوف" مولبير. ففي هذه الكوميديا-زواج فيجارو-نرى الكونت المافيفا وروزينا، وهما شخصيتا حلاق أشبيلية-يقضيان عدة سنين في حياتهما الزوجية، وكان قد مل المفاتن التي سحرته خلال الكثير من المواقف المعقدة، وانصرف الآن إلى مغامرة هي إغواء سوزان، خادمة الكونتيسة وخطيبة فيجارو الذي أصبح كبير خدم الكونت وقهرمان القصر الريف. ويقوم تابع في الثالثة عشرة يدعى شيروبان بدور أشبه باللحن الرشيق المصاحب للموضوع الرئيسي وذلك بعشقه الغرير للكونتيسة التي يبلغ عمرها ضعف عمره. أما فيجارو فقد تحول فيلسوفاً، ويصفه بومارشيه بأنه "العقل موشحاً بالمرح والملح" (١٢٠). ويكاد هذا أن يكون تعريفاً للروح الغالية ولحركة التنوير.