حشد آخر سجن لافورس وأطلق سراح السجناء وكان أكثرهم من المدنيين وراح أفراد الشعب يفتشون عن البنادق في كل مكان، فلما لم يجدوا منها إلا القليل، صنعوا خمسين ألف حربة (٧٨). وخافت الطبقات الوسطى في باريس على بيوتها وممتلكاتها، فألفت مليشيا خاصة بها وسلحتها، وفي الوقت نفسه واصل الأغنياء تشجيع الجماهير الثائرة وتمويلها وتسليحها لعل هذا أن يثني الملك عن استعمال القوة مع الجمعية (٧٩).
وفي صباح ١٤ يوليو الباكر أغار حشد من ثمانية آلاف رجل على الأوتيل ديزنفاليد، واستولوا على ٢٣. ٠٠٠ بندقية، وبعض البارود، واثنتي عشرة قطعة من المدفعية. وفجأة صاح لأحدهم "إلى الباستيل". ولكن لم الباستيل بالذات؟ لا لإطلاق سراح سجنائه، الذين لم يتعدوا السبعة، فضلاً عن أنه كان بوجه عام منذ ١٧١٥ يستعمل مكاناً لحبس راق لسراة القوم. غير أن هذه القلعة الضخمة التي بلغ ارتفاعها مائة قدم وسمك أسوارها ثلاثين قدماً والتي أحاط بها خندق عرضه خمسة وسبعون قدماً ظلت أمداً طويلاً رمزاً للاستبداد. وكانت ترمز في ضمير الشعب إلى مئات السجون والزنزانات الخفية، وكان بعض الكراسات قد طالب بتدميرها. ولعل ما أثار الجمع علمهم بأن الباستيل قد صوب بعض المدافع إلى شارع وضاحية سانت-أنطوان، وهي حي يغلي بالمشاعر الثورية. وربما كان أهم من هذا كله ما قيل من أن الباستيل احتوى مخزناً ضخماً من السلاح والذخيرة، لا سيما البارود، ولم يملك الثوار منه إلا القليل. وكان في القلعة حامية قوامها اثنان وثمانون جندياً فرنسياً واثنان وثلاثون من الحرس السويسري، بقيادة المركيز دلوني، وكان رجلاً لين الطبع (٨٠). ولكن ذاع عنه بين الجماهير أنه وحش غليظ القلب (٨١).
وبينما كان الجمع الذي أكثره من الباعة والصناع يتجه صوب الباستيل استقبل دلوني وفداً من المجلس البلدي، طلب إليه سحب المدافع المهددة من مواقعها، وألا يتخذ أي إجراء عدائي نحو الشعب، ووعد نظير ذلك باستخدام نفوذه لثني الجمع عن مهاجمة الحصن. ووافق القائد، واستضاف الوفد لتناول طعام الغداء، وتلقت لجنة أخرى أوفدها المحاصرون