دون الاستعانة بالثواب والعقاب السماويين؛ ولقد علمتنا جهود الساسة والفلاسفة أن نقيم حكومة عادلة قادرة، وأن نوفق بين الديموقراطية وبين بساطة البشر وعدم مساواتهم الطبيعية. ولقد استمتعنا بمختلف إبداعات الجمال في الباروك، والفن الكلاسيكي المحدث، وانتصارات الموسيقى في باخ، وهندل، وفيفالدي وفي جلوك، وهيدن، وموتسارت. ولقد شهدنا ازدهار الأدب في ألمانيا على يد شيلر وجوته، وفي إنجلترا على يد فحول الروائيين وأعظم المؤرخين، وفي إسكتلندة على يد بوزويل وبيرنز، وفي السويد بتفجر الأغنية في عهد جوستاف الثالث؛ وفي فرنسا ترددنا بين فولتير منافحاً عن العقل والذكاء وبين روسو مدافعاً بالدموع عن حقوق الوجدان. ولقد سمنا التصفيق الذي عاش عليه جاريك وكليرون، وأعجبنا بسلسلة من النساء الفاتنات في صالونات فرنسا وإنجلترا، وبملك النساء المتألق في النمسا وروسيا. ثم راقبنا الملوك الفلاسفة.
وقد يبدو من السخف أن ننهي قصتنا في اللحظة التي أوشك الكثير جداً من الأحداث على بث الحياة ونفخ الروح في هذه الصفحات. وما كان أسعدنا لو أتيح لنا الزحف خلال ضجيج الثورة وعجيجها، ثم فحصنا ذلك التفجير البركاني للطاقة المعروف بنابليون، واستمتعنا أيما استمتاع بثروة القرن التاسع عشر في الأدب، والعلم، والفلسفة، والموسيقى، والفن، والتكنولوجيا، والحكم. وكان يبهجنا أكثر لو عدنا إلى وطننا أمريكا، جنوبها وشمالها، وحاولنا أن ننسج قطعة النسيج المعقدة، ونسيج الحياة والتاريخ الأمريكيين في صورة واحدة متماسكة متحركة. بيد أنه لا بد لنا أن نروض أنفسنا على تقبل فكرة الفناء، وأن نترك لعقول أنضر القيام بمهمة ومغامرة، هما إضافة تجارب في التأليف والتركيب إلى البحوث الأساسية التي قام بها الأخصائيون التاريخيون والعلميون.
لقد أتممنا على قدر استطاعتنا قصة الحضارة هذه، ومع أننا كرسنا معظم حياتنا لهذا العمل، فإننا عليمان بأن عمر الإنسان أن هو إلا لحظة قصيرة في التاريخ، وبأن خير ما يقدمه المؤرخ من عمل سرعان ما يكتسح حين