أو الثامنة دور آبائهم ليبنوا لأنفسهم أكواخاً ويزودوا أنفسهم بالقوت من الصيد والسماكة (١٠)، والعادة أن ينتهي شوط التربية حين تبتدئ الحياة الجنسية، ولما كان نضجهم يأتي مبكراً فإن خمودهم يأتي كذلك مبكراً، ففي ظروف الحياة عندهم ينضج الصبي في الثانية عشرة من عمره ويشيخ في الخامسة والعشرين (١١)، وليس معنى ذلك أن "الهمجي" له عقلية الطفل، بل معناه أنه لم يكن له حاجات الطفل الحديث ولا فُرَصه؛ وهو لم يتمتع بمثل ما يتمتع به الناشئ الحديث من مراهقة طويلة آمنة، تسمح بنقل التراث الثقافي نقلاً يكاد يكون كاملاً، وتضمن تدريبه على ضروب أكثر ومرونة أكبر في الاستجابة للبيئة التي بعدت من الصورة الفطرية والتي زادت فيها عوامل التغير.
كانت بيئة الإنسان الفطري ثابتة نسبياً، ولم تكن تتطلب القدرة العقلية، بل تطلبت الشجاعة وتكامل الشخصية؛ فكان الوالد البدائي يركّز اهتمامه في بناء شخصية ولده كما تركّز التربية الحديثة اهتمامها في تدريب القوة العقلية؛ فقد كان يعنيه أن يبني رجالا، لا أن يكوّن العلماء؛ ومن هنا كانت طقوس إدماج الناشئ في القبيلة، تلك الطقوس التي كانت في الشعوب الفطرية تعلن بلوغ الناشئ سن النضج وتعترف له بعضوية الجماعة؛ ترمي إلى اختبار شجاعته أكثر مما تقصد إلى قياس معرفته؛ وكانت مهمتها أن تُعِدَّ الشباب لمشاق الحرب وتبعات الزواج؛ وهي في الوقت نفسه فرصة تتاح للكبار أن يمرحوا ويفرحوا بإيقاع الأذى على الآخرين؛ وبعض هذه الطقوس "يبلغ من البشاعة ومن إثارة النفس حداً تتعذر معه الرؤية وتصعب الرواية"(١٢)؛ ففي قبيلة "الكفير" - وهذا مثل معتدل - كان الصبيان الذين يطلبون عضوية القبيلة يُمتحنون بعمل شاق في النهار وحرمان من النوم في الليل، حتى يسقطوا من الإعياء؛ لكي يزداد القائمون بامتحانهم يقيناً بصلابة هؤلاء الصبيان، كانوا يضربونهم بالسّياط "على فترات قصيرة وبغير رحمة حتى يَنزَّ الدم من أجسادهم" وكان ذلك