بحياد فيما عدا ميرابو Mirabeau الذي احترم حجج روبيسبير التي أعدها إعدادا متقنا وبسط شرحها بوضوح. ومن ناحية أخرى لاحظنا ميرابو الذي نشأ في ظل والد عبقري رغم دقته الشديدة الصارمة راح يتشرب بتوق شديد كل تأثير متاح في الحياة مما تهيؤه فرص الرحلة والمغامرة والخطيئة، وراح يطالع مظاهر الضعف البشري والظلم والفقر والمعاناة في اثنتي عشرة مدينة، وسجنه الملك بناء على طلب والده وشهر بأعدائه في نشرات هجائية واتهامات غاضبة،
وأخيرا انتخبته طبقة العوام في كل من مرسيليا Marseilles وإكس- أن- بروفانس Aix-en- Provence لمجلس طبقات الأمة فحقق انتصارا مزدوجا فعالا، وأتى إلى باريس وقد أصبح بالفعل أحد المشاهير اللامعين الذين تحوم حولهم الشكوك في بلد كانت الأزمة تدفع بالنابغين والعباقرة إلى الصدارة في ظروف قلما شهد لها التاريخ مثيلا. لقد رحب به متعلمو باريس كلهم، وأطلت الرؤوس من النوافذ لمشاهدة عربته وهي تمر، وكانت النسوة مشتاقات لمعرفة حقيقة الإشاعات المثارة حول غرامياته كما كن مفتونات بما في وجهه من ندوب وتشوه، فتنة لا يعادلها سوى الاشمئزاز من قبح هذه الندوب وهذا التشوه.
لقد استمع الأعضاء باستسلام لخطابه رغم أنهم كانوا شاكين في طبقته وأخلاقه ونواياه، فقد سبق أن سمعوا أنه كان يعيش عيشة تفوق إمكاناته، وأنه كان يشرب حتى يفقد عقله، وأنه لم يكن يتورع عن استخدام بلاغته وفصاحته للتخفيف من وطأة ديونه، لكنهم علموا أنه لام أفراد طبقته دفاعاً عن العوام الذين قدروا فيه شجاعته لأنهم تشككوا في أن يجدوا لهذا البركان من الطاقة المعتمل في نفسه مثيلا آخر.
لقد انتشرت الخطابة في هذه الأيام المحمومة وازدادت المناورات السياسية أكثر بكثير مما شهده قصر (صالة) المسرات البريئة مينو بلازير Hotel des Menus Plaisirs وطغت بها الصحف والنشرات والإعلانات المعلقة على الجدران والنوادي؛ فبعض المندوبين القادمين من بريتاني Brittany كونوا نادي البريتون Club Breton الذي سرعان ما فتح باب عضويته للأعضاء الآخرين وللخطباء والكتاب، وجعل منه كل من سييس Sieyes وروبيسبير، وميرابو منصة يعرضون عليها أفكارهم ويجربون وقع مشاريعهم على المستمعين، وشهد هذا النادي التشكيل الأول للتنظيم القوي الذي عرف بعد ذلك باسم اليعاقبة Jacobins . وكانت المحافل الماسونية Freemason lodges