الديني أتاحت نفسها لنابليون فَذَاق عَسِيلتها وآَمْعن، لكنه والحقّ يُقال كان أذكى كثيراً من الإمبراطور أَحَشويرش فلا هو وحّد بولندا لأن هذا كان سيكلفه الكثير، ولا أخرج منها روسيا لأن هذا كان سيُفقده حليفاً محتملاً وهذا ما تحقق لكن إلى حين.
ولعلّ الفصل الرابع عشر (عن العلم والفلسفة في عصر نابليون) يكون من أمتع فصول الكتاب، فهو يقدم لنا في عَرْض بسيط وواضح جهود العلماء الفرنسيين في الرياضيات والفيزياء والبيولوجيا (علم الأحياء) وما تمخّض عنها من آراء فلسفية تبنَّى منها كل حزب سياسي ما يُدعّم اتجاهه السياسي، وهذا أمر طريف، كما استثمر السياسيون النظريات العلمية الخالصة لدعمْ أفكارٍ سياسية، وهذا بطبيعة الحال لا ينفي فضل العلماء وإن كان يعيب إنحراف السياسيين.
ولم يدع نابليون - على سبيل أمثال - مبادئ الثورة الفرنسية وحرية الأديان وما إلى ذلك تعوقُه عن النظر للأمور من خلال المنظور العملي الذي يؤكّده الواقع وتدعمه الإحصاءات. لقد أقر حرية الدين للجميع بمن فيهم اليهود لكنه أرسل ليسأل حاخاماتهم عن موقف الشريعة اليهودية من الربا فأجابوه أن هذه الشريعة كما جاء بها موسى تحرّم الربا، وسألهم عن موقفهم من غير اليهود فقالوا قولاً حسناً، فأتاح لهم حرية العبادة أُسوة بغيرهم لكنه أمرهم بعدم التمركز في منطقة بعينها وأن ينتشروا في أنحاء فرنسا، وأمرهم ألاّ يقتصروا على مهنة الصرافة والعمل في المعادن النفيسة وإنما عليهم توجيه أبنائهم للعمل في مختلف المهن، والأهم من هذا أنه أسقط الفوائد الربوية التي فرضها اليهود على رعاياه، وهدّأ نابليون من ثائرة فلاّحي الالزاس الذين كانوا على وشك الهجوم على البنوك التي يمتلكها يهود ألمان بأن أمر ألاّ تُحصِّل هذه البنوك المبالغ التي أقرضتها (بالربا) للفلاحين قبل عام (راجع تفاصيل هذا في الفصل الحادي عشر).
والفصول؛ السابع والثامن والتاسع تحوي صفحات شائقة في التاريخ العسكري وفن إدارة المعارك: معركة مارنجو، وأوسترليتز، وأولم وغيرها، … لقد تناول المؤلف بالتفصيل معارك فرنسا في عهد القنصلية (عندما كان نابليون هو القنصل الأول) وفي عهد الإمبراطورية