بالكتابة،: وكيف كان الناس يحتشدون مرة في كل عام ليسمعوا المدوّنات وهي تُقرأ عليهم؛ فبديهي أن الكتابة كانت في مراحلها الأولى شيئاً غامضاً مقدساً، ولفظة "هيروغليف" معناها نقش مقدس، ولسنا على يقين من أن هذه المخطوطات البولينيزية لم يكن مصدرها إحدى المدنيَّات التاريخية؛ لأن الكتابة - على وجه العموم - علامة تدل على الحضارة، وهي من أوثق المميزات التي تفرق بين أهل المدنيَّة وأبناء العصور البدائية.
الأدب في أول مراحله كلمات تقال أكثر منه حروفاً تكتب "على الرغم من أن الكلمة في الإنجليزية تنتمي في أصلها اللغوي إلى ما يدل على الكتابة"؛ وهو ينشأ في ترانيم دينية وطلاسم سحرية، يتغنى بها الكهنة عادةً، وتنتقل بالرواية من ذاكرة إلى ذاكرة؛ والكلمة التي معناها الشعر عند الرومان، وهي " Carmina" تدل على الشعر وعلى السحر في آن واحد؛ والكلمة التي معناها نشيد عند اليونان، وهي " Ode" معناها في الأصل طلسم سحريّ، وكذلك قل في الكلمتين الإنجليزيتين " Tune" و " Lay" والكلمة الألمانية " Lied" وأنغام الشعر وأوزانه، التي ربما أَوحَى بها ما في الطبيعة وحياة الجسد من اتساق، قد تطورت تطوراً ظاهراً على أيدي السحرة الذين أرادوا أن يحتفظوا وينقلوا ثم يزيدوا من "التأثير السحريّ لأشعارهم" (٢٠) ويعزو اليونان أول ما قيل من شعر في البحر العُشاري إلى كهنة دلفي، الذين ابتكروا هذا البحر ليستخدموه في نظم نبوءاتهم (٢١)، وبعدئذ أخذ الشاعر والخطيب والمؤرخ يتميز بعضهم من بعض شيئاً فشيئاً، ويتجهون اتجاهاً دنيوياً في فنونهم، بعد أن اتحدوا جميعاً في هذا الأصل الكهنوتي، فأصبح الخطيب مُشيدا رسمياً بأعمال الملك أو مدافعاً عن الآلهة، وبات المؤرخ مسجلاً لأعمال الملك، والشاعر مغنياً لأناشيد كانت في الأصل مقدسة، ومعبراً وحافظاً لأساطير البطولة، وموسيقيَّا صاغ أقاصيصه صياغة الألحان ليعلّم بها الشعب وملوكه جميعاً؛ وهكذا كان لأهل فيجي وتاهيتي وكالدونيا