قد اعتزم قتل والديه (المقصود غالباً أنه بفعله هذا سيورد والديه موارد التهلكة)، وأعطى نابليون الشاب المرتعد خفاً مهلة حتى الساعة الحادية عشرة مساء ليتنازل عن العرش، فإن رفض فسيعتبر مدبّر انقلاب ضد والديه ومن ثم يُسجن ويحال للمحاكمة بتهمة الخيانة،
واستسلم الشاب فرديناند وأعاد التاج لوالده ولما كان تشارلز يتطلع للأمن والسلام أكثر مما يتطلع إلى السلطة والقوة فقد قدم الصولجان (العرش) لنابليون الذي عرضه بدوره على أخيه لويس فرفضه ومن ثم عرضه على أخيه جيروم الذي شعر أنه ليس ملائماً لمثل هذا المنصب الخطير، وأخيراً عرضه على أخيه جوزيف (يوسف) الذي تلقى بالفعل أمراً بقبوله وتم إرسال تشارلز ولويزا وجودي ليعيشوا في منتجع في مرسيليا تحت الحراسة.
أما فرديناند وأخوه فقد هُدِّئا وجرى إرضاؤهما بتهيئة مَصْدر دخل يُدِرُّ عليهما عائداً مالياً كبيراً وعُهد إلى تاليران بإسكانهما في مكان مريح وآمن في قصره في فالنسي Valencay. وأحسَّ نابليون أنه عقد صفقة رابحة فركب عائداً مرتاح البال إلى باريس وتلقَّته الجموعُ بحفاوة في كل خطوة باعتباره سيِّد أوروبا الغلاَّب.
وذهب مورا - الذي كان يأمل أن يكون ملكاً على اسبانيا - ممتعضاً ليحل محل جوزيف (يوسف) كملك على نابلي. أما جوزيف - فبعد أن توقف في بايون - دخل مدريد في ١٠ يونيو سنة ١٨٠٨. لقد كان قد اعتاد على نابلي التي كان ملكاً عليها وسرعان ما أوحشته حياة المرح والسرور في إيطاليا، تلك الروح المرحة التي يتسم بها أهل جنوب إيطاليا والتي تلطّف قسوة الحياة، فهو لم يأنس ذلك في الأسبان الصارمين المتدينين.
وقد جلب معه إلى أسبانيا دستوراً نصف ليبرالي كيّفه نابليون على عجل، يضم كثيراً من بنود مدوّنة نابليون القانونية لكنه قَبِلَ الكاثوليكية باعتبارها الدين المعتمد الوحيد في اسبانيا (نظراً لإصرار تشارلز الرابع على ذلك)، وحاول جوزيف ما وسعته المحاولة أن يكون حاكماً محبوباً من الشعب وأيده عدد كبير من الليبراليين الأسبان، ولكن النبلاء ظلوا بعيدين عنه متحفّظين إزاءه، وأدانه الإكليروس clergy (رجال الدين الأسبان) على أساس أنه متحرر التفكير freethinker (المقصود غير متمسك بأهداف الكاثوليكية) يتظاهر بما لا يُكنّه، وصُدِم العامةُ لأن نابليون قد أحل محل أسرتهم الحاكمة التي باركتها الكنيسة رجلاً لا يكاد يعرف