المقرر لافتتاح السنهدريم الكبير (الاجتماع اليهودي) في عاصمة أحدى أقوى الأمم المسيحية وبحماية مليكها الخالد. إن باريس ستُظهر للعالم مشهداً جديراً بالملاحظة، وإن هذا الحديث التاريخي (السنهدريم) سيفتح للبقايا المشتتة من سلالة إبراهيم عصراً من التحرر والرخاء.
ولم يستطع السنهدريم الكبير (الاجتماع اليهودي) أن يستمر وفقاً لهذه التوقّعات الحماسيّة، فبعد إرسال هذه الدعوات بثمانية أيام حارب نابليون وجنوده البروس في يينا Jena، وظل طوال هذا الخريف في ألمانيا أو بولندا ويقطّع أوصال بروسيا وينشئ دوقية وارسو Warsaw (فيرسافا) الكبيرة، ويعزف على أوتار السياسية أو الحرب، وظل طوال الشتاء في بولندا يعيد تنظيم جيشه ويحارب الروس ليتعادل معهم في إيلاو Eylau ويهزمهم في فريدلاند Friedland ويعقد سلاماً مع القيصر اسكندر في تيلسيت (١٨٠٧) ولم يعد لديه وقت للسنهدريم الكبير إلاّ بشق النفس.
واجتمع السنهدريم الكبير في ٩ فبراير سنة ١٨٠٧. وتباحث فيه ٤٥ من الرابين (الحاخامات) و ٢٦ من اليهود العاديين (غير ذوي المراتب الدينية) واستمعوا إلى الخطب وأقرّوا الإجابات التي قدّمها إخوانهم من ذوي الشأن (في اجتماعهم السابق) لنابليون. وخلصوا بإصدار توصيات لليهود:
أن ينهوا عداوتهم للمسيحيين، وأن يحبوا البلاد التي يقيمون فيها باعتبارها أصبحت الآن بلادهم وأن يقبلوا الخدمة العسكرية للدفاع عنها وأن يتجنبوا الربا وأن ينخرطوا أكثر فأكثر في أعمال الزراعة والحرف والفنون.
وفي مارس أرسل السهندريم تقريره إلى نابليون البعيد عن فرنسا، فتم إرجاؤه.
وفي ١٨ مارس سنة ١٨٠٨ أي بعد حوالي عام أصدر نابليون قراراته النهائية التي قضت بإقرار الحرية الدينية لليهود وإقرار حقوقهم السياسية في كل أنحاء فرنسا ما عدا في منطقتي الإلزاس واللورين، ففيهما وُضِعت - طوال العشر أعوام التالية - فيود على رجال البنوك لتقليل عدد المفلسين ولتخفيف العداوة العرقية، وتم إلغاء ديون النساء والقُصَّر والجنود، وخوّلت المحاكم في إلغاء أو تخفيض الديون المتأخّرة التي قوامها الفوائد بالإضافة إلى فترة سماح (تأخير مواعيد السداد)، ولم يكن مسموحاً لأي يهودي بالعمل في التجارة قبل