للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذه الحياة الدنيا فانية زائلة؛ ثم تعملون أنتم على أن ينسى الناس علاقاتهم الاجتماعية، وبهذا تقتلون في الناس روح الواجب والفعل الصواب؛ ثم تقولون إن طريق الإنسان محفوف بالخطايا؛ فاهجر أباك وأمك وأبناءك ومولاك، وابحث عن الخلاص، وهاأنذا أقول لكم إني قد تعمقت الدراسة، فلم أجد قط للإنسان طريقاً سوى ولائه لمولاه وطاعة الابن لآبائه (١٠١)؛ وكان "هاياشي" ينعم في شيخوخته بشهرة هادئة، حين شبت النار الكبرى في طوكيو سنة ١٦٥٧، فشملته بين من قضت عليهم من أنفس بلغت مائة ألف؛ وكان تلاميذه قد أسرعوا إليه ينذرونه بالخطر الداهم، لكنه لم يفعل سوى أن هز رأسه وعاد بنظره إلى الكتاب؛ فلما دنت منه ألسنة اللهب، أمر بمحفة يحمل فيها، وحملوه وهو لم يزل يقرأ في كتابه؛ وقضى ليلته تلك- كما قضاها غيره ممن لا يحصيهم العدد- قضاها في العراء تحت نجوم السماء؛ ومات بعد ذلك بثلاثة أيام متأثراً بالبرد الذي أصابه أثناء الحريق.

وعوضت الطبيعة اليابان عن موته، بأن هيأت لها في العام الثاني لموته رجلاً من أشد أنصار الكونفوشيوسية حماسة؛ وذلك هو "موروكيوسو" الذي اختار لنفسه "إله العلم" إلهاً يرعاه؛ ففي صدر شبابه قضى ليلة بأسرها أمام ضريح "متشيزان" يؤدي الصلاة، ثم وهب نفسه للعلم بعزم الشباب، وكانت عزيمته شديدة الشبه بعزيمة معاصره سبينوزا (١).

سأنهض من نومي كل صباح في الساعة السادسة، وآوي إلى مخدعي كل مساء في الساعة الثانية عشرة

ولن أجلس بغير عمل إلا إذا حال دون ذلك أضياف أو مرض أو غير ذلك من ظروف قاهرة ....

لن أنطق بباطل


(١) راجع فاتحة كتاب سبينوزا "في الإصلاح العقلي".