ورغبتهم في تحقيق مصالحهم الذاتية، ومن هنا كان لابد من تقوية الباعث الاجتماعي وإضعاف الباعث الفردي بسن القوانين المعبّرة عن قوة الجماعة ورغبتها، وبالمواثيق الأخلاقية التي يتم بثّ محتواها من خلال الأسرة والكنيسة والمدرسة والرأي العام والعادات وتحديد المحرمات (الطابو أو التابو taboos) .
من الطبيعي إذن أن تكثر الجرائم في إنجلترا في الفترة من ١٧٨٩ إلى ١٨١٥ وأن تكثر حالات عدم الأمانة، وأن يكون هناك ما لا حصر له من العلاقات الجنسية قبل الزواج، وإذا كان لنا أن نصدّق هوجارث Hogarth وبوزويل Boswell فقد كانت بيوت الدعارة والعاهرات تملأ لندن والمدن الصناعية. وكان أفراد الأرستقراطية يجدون البغايا أقل تكلفة من الخليلات مدبّرات شؤون المنزل، فاللورد إجريمونت Egremont الذي كان يفيض بكرمه على تيرنر Turner وغيره من الفنانين، يقال إنه استمتع بسلسلة من الخليلات أنجب منهن أطفالاً كثيرين .. وعلى أية حال فد زادت الشائعات أخباراً عن علاقة أصدقائه الدافئة به ويمكننا أن نحكم على أخلاق الطبقات العليا من خلال محاكاتهم لأمير ويلز واستئناسهم بأخلاقه، وكان هذا الأمير قد نشأ وسط أكثر الأرستقراطيين فجوراً وانحلالا. لقد كانوا ثُلَّة لم تشهد إنجلترا مثيلاً في فجورها وانحلالها منذ العصور الوسطى.
وربما كان الفلاحون يحترمون القيم الأخلاقية القديمة، لأن تنظيم الأسرة بما يخدم أغراض الزراعة يستلزم سلطة أبوية قوية، وقلما يسمح للشباب بالإفلات من سلطة من هم أكبر سنا. وعلى أية حال، فقد كانت البروليتاريا النامية قد تحررت من مثل هذه الهيمنة مقلّدة مستغليها في حدود ما تسمح به دخولهم (أي دخول البروليتاريا)، وقد كانت الأجور المتدنية في المصانع الصغيرة غير المنضبطة تمثل دافعاً قوياً للفسق بالنسبة إلى النسوة العاملات في المصانع ليبعن أجسادهن بثمن بخس ليُضفنه (أي هذا الثمن) إلى أجورهن المتدنية.
وحتى سنة ١٩٢٩ كان العمر القانوني الذي يُسمح فيه بالزواج هو ١٤ سنة للذكور و ١٢ للإناث. وكان الزواج العادي ارتزاقا أو مصدر تعيّش وكسب. فالرجل (الزوج) كان مرغوباً بقدر ما لديه من مال فعلي أو متوقع، وكذلك كانت المرأة (الزوجة) مرغوب فيها