للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأروع من يستوقف النظر من هؤلاء الكونفوشيوسيين اليابانيين القدامى رجل لا يسلكونه عادة في عداد الفلاسفة، لأن مثل "جيته" ومثل "إمرسن" كانت له القدرة على صياغة حكمته في عبارة رشيقة، فأحس الأدب غيرة عليه، وطالب به عضواً في جماعة الأدباء، وذلك هو "كايبارا إكِنْ" الذي كان ابن طبيب مثل أرسطو، ثم خرج عن دائرة الطب إلى فلسفة تجريبية تتصف بالدقة والحذر، فعلى الرغم من مشاركته في الحياة العامة بسيرة مليئة بالعمل، بما في ذلك كثير من المناصب شغلها، فقد وجد من وقته فراغاً يستعين به على أن يكون أعظم علماء عصره؛ وبلغت كتبه عدداً يربى على المائة، فكتبت له الشهرة في أرجاء اليابان جميعاً؛ وذلك لأنه لم يكتب كتبه تلك باللغة الصينية (كما كانت عادة زملائه الفلاسفة) بل كتبها باليابانية السهلة التي يستطيع كل من عرف القراءة أن يفهمها؛ وعلى الرغم من علمه وشهرته، فقد كان له- إلى جانب الغرور الذي تراه عند كل كاتب- تواضعٌ كالذي تراه عند كل حكيم، ويروي الرواة أن مسافراً على سفينة كانت تشق طريقها بحذاء الساحل الياباني، تعهد لزملائه في السفر أن يحاضرهم في الأخلاق الكونفوشيوسية؛ فأنصت له الجميع بادئ ذي بدء بما عرف عن اليابانيين من حب استطلاع وشغف بالزيادة من العلم؛ ولكن ما كاد يمضي المتكلم في حديثه قليلاً، حتى وجد السامعون أن كلامه يبعث الملل إذ لم يكن للرجل أنف حساسٌ يهديه إلى التمييز بين الحقيقة الحية والحقيقة الميتة، فانصرفوا عنه بعد وقت وجيز، ولم يبق منهم إلا سامع واحد، راح هذا السامع الواحد يتتبع البحث بتركيز عجيب في انتباهه، حتى سأله المحاضر حين فرغ من محاضرته، ما اسمه، فأجابه بصوت هادئ إن اسمه "كايبارا إكن"؛ فخجل الخطيب إذ علم أنه لبث ساعة أو يزيد، يحاول أن يلقن الكونفوشيوسية لرجل هو ألمع أعلام المذهب الكونفوشيوسي في عصره (١٠٤).

كانت فلسفة "إكن" خالية من اللاهوت خلو فلسفة "ك أونج" منه إذ