يدافع عن القديم لكن كانت لديه الشجاعة لإطلاق أصوات الازدراء نقداً لأمير منحط، واستحساناً لموقف زوجته التي طردها بقسوة، وعبّر الرأي العام عن نفسه أيضاً في مئات التجمعات والجمعيات التي وقفت نفسها لأغراض التعليم والعلم والفلسفة والإصلاح. وكان الرأي العام يظهر واضحاً في القضايا الحرجة إذ يعبّر الناس عن آرائهم في اجتماعات عامة، ويمارسون حق تقديم العرائض (الاحتجاجات) الذي كفله القانون الإنجليزي، فالإنجليز الصبورون لا يعمدون إلى المقاومة إلاّ كحل أخير إزاء هذه الدولة الأوليجاركية oligarchic .
لقد حدث أكثر من مرة أن قام تمرّد ناجح (حقق غرضه) في شوارع القرى والمدن. لقد كانت الحكومة أرستقراطية ومع ارستقراطيتها فقد كان أقل ما تتصف به هو أنها مهذبة فهذبت العادات وتصدَّت للمستحدثات الضارة، وحافظت على الذوق السليم في الآداب والفنون وحمته من البربرية، كما تصدت للخرافات، وأيدت العديد من القضايا الطيبة (الصالحة) ولم تترك شعراءها الكبار نهباً لمجاعة.
حقيقة لقد مر بها في بعض الأحيان ملك مجنون، لكن الحكومة كانت تُغل يده، ليظل ملكا محبوبا يمثل رمزاً للوحدة الوطنية ومحورا لكبرياء الأمة وحماسها ولم يجد الإنجليز معنى في قتل مليون شخص لعزل ملك له كل هذه الفائدة كرأس للتشريفات. فبعد انحراف لمرة أو مرتين يعود الإنجليزي إلى طبيعته غير مُصر على أن ماسح الأحذية والبويرن - البارون الصغير (البارونت baronets) لهما الحقوق نفسها في اقتراح بنود قانون الأراضي. وقد ذكرت مدام دي ستيل أن الإبداع في إنجلترا مُتاح للأفراد، ومن هناك كان يمكن تنظيم الجموع. إن النظام الأصالة originality في إنجلترا - حيث لكل طبقة مكانتها فوق الأخرى - هو الذي سمح بانتشار الحرية.
دعونا الآن نرى كيف تفاعل الفن والعلم والفلسفة، ونظام الحكم حتى تكتمل صورة الحياة في إنجلترا في سنة ١٨٠٠. إننا سنعرض لذلك في الفصول التالية بقدر جهدنا.