للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(اليوتوبي) بالعقل المنتصر (بانتصار العقل) لا مبرر له، لأنه قد جرى تسفيهه مرارا بالحقيقة البسيطة التي مؤداها أنه كلما زاد الطعام وتحقيق الرخاء سرعان ما يؤدي تزايد السكان إلى محق هذا الرخاء، وقد عبر سِفْر الجامعة في التوراة عن هذا ببلاغة.

فمادامت خصوبة الأرض محدودة ولا سبيل لوقف الشهوة الجنسية فهذا يؤدي إلى تضاعف عدد الأفواه بسبب الزواج المبكر والإنجاب الكثير وانخفاض نسبة الوفيات بين الأطفال والشيوخ، وهذا بدوره يؤدي إلى استهلاك أية زيادة في الطعام بسرعة. ولم يتفق الأب مع ابنه في هذا النتيجة ولكنه كان معجبا بالطريقة التي دافع بها ابنه عن آرائه فطلب من ابنه أن يكتب وجهات نظره وبالفعل كتبها توماس ونشرها في سنة ١٧٩٨ في كتاب بعنوان: مقال عن مبادئ السكان وتأثيرها في مستقبل المجتمع An Essay on the principle of population as it affects the future improvement of Society وقد بدأ كتابه باعتذار يسترضي فيه الكاتبين اللذين يتحدى في كتابه نزعتهما التفاؤلية:

"لا أستطيع أن أشك في مواهب رجال مثل جودوين، وكوندورسيه Condorcet … لقد قرأت - وبسرور شديد - بعضاً من آرائهما عن طرائق الوصول بالإنسان والمجتمع إلى حد الكمال، ولقد ابتهجت وتفاعلت بحرارة مع الصورة البهيجة التي رسماها. إنني أرغب بشدة في تحقيق هذه التحسينات. إلا أنني - على وفق ما يهديني إليه تفكيري - أرى صعوبات شديدة لا تقهر أمام ما ذكراه. وهدفي هو تبيان هذه الصعوبات، لكنني أعلن في الوقت نفسه أنني أبعد ما يكون عن السعادة لوجود هذه الصعوبات، وأنني لم أتخذها سببا يسعدني للانتصار على أصدقاء الفكر، فلا شيء يسعدني أكثر من أن أرى هذه الصعوبات وقد تلاشت ".

وحاول مالتوس أن يصيغ حججه بشكل رياضي. فافترض أن الطعام يزيد كل ٢٥ عاما بمتوالية حسابية (من ١ إلى ٢ إلى ٣ إلى ٤ إلى ٥ إلى ٦ وهكذا) أما السكان فيزيدون - إذا لم تكن هناك عوائق تمنع الزيادة - بمتوالية هندسية (١، ٢، ٤، ٨، ١٦، ٣٢ .. وهكذا) مفترضا: "أن كل زوج وزوجة سينجبان ٤ أبناء يظلون على قيد الحياة. وعلى وفق هذه النسبة فإنه في غضون قرنين سيصبح (عدد السكان) بالنسبة إلى موارد الرزق ٢٥ إلى ٩، وفي غضون ثلاثة قرون ٤٠٩٦ إلى ١٣، وفي غضون ألفي سنة