دراساته بغير اضطراب، وكان وسيماً حتى لقد ظنه الناس أحياناً أميراً، لكنه ارتدى ثوب فلاح وتوارى عن أعين الناس، يقول مؤرخ ياباني:
إن "جنسي" كان فقيراً معدماً، بلغ من الفقر حداً أعجزه في نهاية العام أن يصنع كعك الأرز الذي يصنعه الناس في بداية العام الجديد؛ لكنه كان ثابت الجنان إزاء فقره هذا؛ ولقد جاءته زوجته وجثت تحت ركبتيها أمامه وقالت:"سأودي واجبات الدار مهما تكن الظروف، لكن ثمة شيئاً لا يحتمل، ذلك أن ولدنا "جنسو" لا يفهم معنى ما نحن فيه من فقر، وهو يغبط أبناء الجار على ما يأكلونه من كعك الأرز، وإنني أؤنبه على ذلك، لكن قلبي ينفطر له حتى ليكاد ينشق نصفين "لكن جنسي مضى منكباً على كتبه دون أن يجيبها بكلمة، ثم خلع خاتمه العقيق وناولها إياه، كأنما يقول لها: بيعي هذا واشتري بضعة كعكات من الأرز" (١١٤).
أنشأ "جنسي" في كيوتو مدرسة خاصة، وأخذ يحاضر هناك مدى أربعين عاماً، وأهم ما قام به أنه درب عدداً يقرب من ثلاثة آلاف طالب في الفلسفة وكان يتحدث آناً بعد آن في الميتافيزيقيا، ويصف الكون بأنه كائن عضوي حي، تتغلب فيه الحياة على الموت دائماً، لكنه كان مثل كونفوشيوس يتحيز تحيزاً شديداً لما هو نافع على هذه الأرض.
"إن ما لا ينفع في حكم الدولة، أو في تيسير العلاقات بين أفراد الإنسان، لا غناء فيه … لابد للتعلم أن يكون مصحوباً بالفاعلية والحياة؛ ولا ينبغي أن يقتصر على مجرد النظريات الميتة أو التأمل .... إن من يعرف الطريق يلتمسها في حياته اليومية … إنك إذا حاولت أن تلتمس الطريق بعيداً عن العلاقات الإنسانية، فأنت بمثابة من يحاول أن يمسك الريح … إن الطريق المألوفة ممتازة بحسنها، ولن نجد في العالم ما يفوقها حسناً" (١١٥).