في الأصل تكملة يضيفها شخص إلى قصيدة بدأها شخص آخر- فأصبحت بعد التقصير ما يسمونه "هوكو"، أي "العبارة الواحدة" تتألف من ثلاثة أسطر تتكون أولها من خمسة مقاطع، وثانيها من سبعة، وثالثها من خمسة، أي أن مجموعة المقاطع تكون سبعة عشر مقطعاً، وكان نظم القصائد من نوع "الهوكو" هو البدْع الشائع في عصر "جنروكو"(١٦٨٨ - ١٧٠٤)، ثم بات البدْع عندهم شغفاً بلغ حد الهوس، ذلك لأن الشعب الياباني شبيه بالشعب الأمريكي في شدة حساسيته العاطفية العقلية التي تسبب سرعة التقلب في الأنماط الفكرية، وكنت ترى الرجال والنساء، والتجار والجند، والصناع والفلاحين، يهملون شؤون الحياة اليومية ليشتغلوا بصياغة شعرية موجزة من نوع "الهوكو" يصوغونها في لحظة حين يُطلب إليهم ذلك، ولما كان اليابانيون مولعين بالمقامرة فقد راحوا يراهنون بمبالغ جسيمة من المال في مباريات تقام لنظم قصائد "الهوكو" حتى لقد خَصَّصَ بعض المغامرين في ميدان الأعمال أنفسهم لإقامة أمثال هذه المباريات يجعلونها مرتزقاً لهم، فكانوا يحشدون كل يوم آلاف الناس المعجبين بهذا الضرب من التنافس، ولذلك اضطرت الحكومة آخر الأمر أن تقاوم هذه الحلبات الشعرية، وأن تمنع هذا الفن المأجور الجديد (١٥)، وأنبغ من أجاد الشعر من نوع الهوكو هو "ماتسوراباشو"(١٦٤٣ - ٩٤) الذي كان مولده- في رأي يوني نوجشي- "أعظم حادثة في تاريخ اليابان"(١٦)، وكان "باشو" هذا سيافاً ناشئاً، مات مولاه وأستاذه، فكان لموته أعمق الأثر في نفسه بحيث اعتزل حياة القصر، وزهد في لذائذ الجسد جميعاً، وراح يضرب في فجاج الأرض على غير هدى، متفكراً، معلماً، وعبر عن فلسفته الهادئة في نتف من شعر الطبيعة الذي ينزل من ذوَاقة الأدب في اليابان منزلة رفيعة، لأنه يضرب أروع الأمثلة للكلام كيف يوحي بالمعاني رغم إيجازه الشديد، ومن قوله: