للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلا أنه يستطيع أن يصوب سهامه نحو الهدف فلا يخطئ؛ ولئن لم يكن لديه رموز كيماوية، إلا أنه يستطيع أن يميز بلمحة سريعة أي النباتات سام وأيها طعام، بل يستطيع أن يستخدم الأعشاب استخداماً دقيقاً في شفاء أمراض البدن؛ والأرجح أن يكون أول من أمتهن حرفة الطب هن من النساء، لا لأنهن الممرضات الطبيعيات للرجال فحسب، ولا لأنهن جعلن من فن التوليد- أكثر مما جعلن من مهنة الارتزاق- أقدم المهن جميعاً فحسب؛ بل لأن اتصالهن بالأرض كان أوثق من اتصال الرجال بها، فأتاح ذلك لهن علما أوسع بالنبات، ومكنَهن من التقدم بفن الطب، ومَيَّزنَه عن التجارة بالسحر التي كان يقوم بها الكهنة؛ فمنذ أقدم العصور حتى عصر يقع في حدود ما تعيه ذاكرتنا، كانت المرأة هي التي تباشر شفاء المرضى؛ ولم يلجأ المريض عند البدائيين إلى طبيب يشفيه أو إلى ساحر إلا إذا أخفقت المرأة في أداء هذه المهمة (٢٨).

وإنه لما يثير الدهشة في نفسك أن تعلم كم من الأمراض كان يشفيها هؤلاء البدائيون على الرغم من قصور علمهم بالأمراض (٢٩)؛ فالمرض عند هؤلاء السُّذَّج- فيما بدا لهم- كان نتيجة لحلول قوة غريبة عنه أو روح غريبة في بدنه- وهو تصور لا يختلف من حيث الجوهر عن النظرية التي تسود الطب الآن من تعليل المرض بدخول الجراثيم في الجسم؛ وأوسع طرق العلاج شيوعا بين البدائيين هو اصطناع رُقيَةٍ سحرية من شأنها أن تسترضي الروح الشريرة التي حَلَّت في البدن العليل؛ لعلها تنزاح عنه؛ وإذا أردت أن تعرف مدى رسوخ هذه الطريقة في أفئدة الناس بحيث لا تزول عنها أبداً، فاقرأ قصة "خنزير جادارين" Gadarene Swine (٢٩) ، وحتى اليوم ترى الناس يعللون الصرع بحلول روح شرير في البدن؛ وبعض العقائد الدينية المعاصرة تنص على طرائق معينة لإخراج مثل هذا الروح الشرير من جسم العليل إذا أريد شفاؤه؛ والكثرة الغالبة من الناس تعترف بالصلاة والدعوات على أنها تعين على الشفاء مع أقراص الدواء؛ وربما