من جمهور القراء ما تعودوه من إقبال على شراء كتبه إقبالاً عظيماً، ولما وجد كل هذا التشجيع، خرج على كل السوابق المعروفة في تاريخ القصص الياباني فطالب الناشرين بدفع شيء من المال ثمناً لكتبه، إذ يظهر أن سابقيه من المؤلفين كانوا يكتفون من الأجر بدعوة يدعونها على عشاء، وقد كان معظم كتاب القصة من الداعرين الفقراء، الذين أنزلهم المجتمع مع الممثلين منزلة هي أدنى ما تكون المنزلة امتهاناً (٢٩)؛ وظهر قصصي آخر هو "كيوكوتي باكين"(١٧٦٧ - ١٨٤٨) كان أقدر فناً في قصصه من "كيودن" لكنه أقل استثارة لاهتمام قرائه، وهو يماثل "سْكُتْ" و "ديماس" في صبِّه للتاريخ في قالب قصصي يفيض بالحياة، ولقد بلغ إعجاب قرائه به في نهاية الأمر مبلغاً جعله يمط إحدى قصصه في مائة جزء، وكان "هوكوساي" يوضح قصص "باكين" بالرسوم، ولبثا في العمل زميلين حتى نشب بينهما الخلاف - وما داما من أبناء عبقر فلا بد من خلاف- ثم افترقا.
وأمرَحُ هؤلاء القصاصين جميعاً هو "جيبشنا إيكو"(مات سنة ١٨٣١)، وهو في اليابان يعادل "لي ساج" و "دكنز" ; "بدأ "إيكو" حياته الراشدة بثلاث زيجات، فشل منها اثنتان بسبب أن حمويه في كلتا الحالين لم يفهما شذوذ مسلكه الناشئ عن اشتغاله بالأدب، فقد رضى بالفقر متفكهاً، لم يكن في بيته أثاث. فعلق على جدرانه العارية صوراً للأثاث الذي كان يشتريه لو استطاع، وفي أيام المواسم الدينية كان يضحي للآلهة بصور فيها رسوم لخير ما يمكن تقديمه من قرابين؛ وقدم له الناس حوضاً للاستحمام- رغبة منهم في التخلص من قذارته- فحمله على رأسه مقلوباً، وراح يوقع به من اعترض طريقه من المارة معلقاً بالنكات في بداهة سريعة على كل من وقع؛ ولما جاءه الناشر في زيارة إلى داره، دعاه أن يستحم، وقبل الناشر الدعوة، فلبس صاحبنا ثياب الناشر أثناء استحمامه وزار كل من أراد زيارته في ذلك اليوم-