وتدعّمت تلك العقيدة عندما وقفت فيينا في سنة ١٦٨٣ وللمرة الثانية كحصن للدفاع عن العالم المسيحي بصدها التقدم التركي (العثماني).
وفي هذه الأثناء نشرت أسرة الهابسبورج الحاكمة حكم النمسا على الدوقيات المجاورة: ستيريا Styria، وكارنثيا Carinthia وكارنيولا Carniola والتيرول Tirol وعلى بوهيميا Bohemia (تشيكوسلوفاكيا) وترانسلفانيا Transylvania (رومانيا) والمجر (هنجاريا) وجاليسيا Galicia البولندية ولومبارديا Lombardy والأراضي المنخفضة الإسبانية (بلجيكا). وعندما دقّ نابليون بوابات فيينا للمرة الأولى في سنة ١٧٩٧ كان هذا هو وضع إمبراطورية النمسا ذات الممتلكات المبعثرة على هذا النحو ووصل الهابسبورج أَوْجهم في عهد ماريا تريزا Maria Theresa (حكمت من ١٧٤٠ إلى ١٧٨٠)، هذه الأم العنيدة المدهشة التي نافست كاترين الثانية Catherine II وفريدريك الكبير بين ملوك عصرها.
لقد فقدت سيليزيا Silesia أمام دهاء فريدريك المكيافيللي لكنها - بعد ذلك - حاربته مع شعبها وحلفائها حتى وصل الطرفان إلى طريق مسدود، واستنزفتهما الحرب تماما، وعاشت لتضع خمسة من أبنائها البالغين ستة عشر ابناً على عروش مختلفة: جوزيف في فيينا وليوبولد في تسكانيا Leopold in Tuscany، وماريا أماليا Maria Amalia في بارما Parma وماريا كارولينا في نابلي وماري أنطوانيت في فرنسا. ونقلت مملكتها على كُره منها لابنها الأكبر، لأنها كانت منزعجة لعدم يقينه الديني (كان لا أدرياً) كما كان ميّالاً للإصلاح، وتنبأت أن شعبها الراسخ في حبه لها لن يكون سعيداً إذا حدث ما يُعكر صفو عقائده التقليدية وأساليبه المعتادة في الحياة.
وبدا حكمها صائباً بسبب الاضطرابات التي أربكت جوزيف الذي شاركها العرش من سنة ١٧٦٥ إلى ١٧٨٠ ثم تبوّأه عشر سنوات أخرى. لقد صدم الأرستقراطية بتحريره أقنان الأرض Serfs، وصدم السكان الكاثوليك ذوي الشوكة بإعجابه بفولتير وبسماحه للبروتستنت بممارسة طرائقهم في العبادة، وبإزعاجه المستمر للبابا بيوس السادس Pius VI . وكان عليه أن يعترف في أواخر أيامه، وكان جهازه الإداري المحيط به غير مؤيّد له لأن الفلاحين الذين انفصلوا فجأة عن سادتهم الإقطاعيين قد أساءوا استخدام حريتهم، وأنه قد عطّل المسيرة الاقتصادية وأنه قد كان سببا في ثورة الطبقات العليا في المجر والأراضي المنخفضة النمساوية بل لقد هدّد وجود الإمبراطورية النمساوية نفسها، لقد كانت أهدافه خيّرة لكن