للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أجورهم تكفي - بشق الأنفس - للعيش والتكاثر. وفي وقت باكر يرجع لسنة ١٨١١ ظهرت الشكاوى من أن مصانع المواد الكيماوية ومصافي البترول تلوِّث الجو. وكانت التجارة تتطوّر، ومما ساعد على تطورها ما أتاحه ميناء تريسته Trieste من تيسيرات لتجارة النمسا في البحر الأدرياتك، وكذلك نهر الدانوب الذي يمر بمئات المدن بالإضافة لبودابست، ويصل - أي النهر - إلى البحر الأسود. وبعد محاولة نابليون في سنة ١٨٠٦ إقصاء البضائع الأوروبية عن القارة الأوروبية، وكذلك بعد الهيمنة الفرنسية على إيطاليا وَهَنَت أوضاع التجارة والصناعة في النمسا، وأصبحت مئات الأسر تُعاني البطالة والفقر المدقع.

أما أمور المالية، فكانت في غالبها في أيدي اليهود إذ أدَّى حرمانهم من الاستثمار الزراعي والصناعي إلى أن أصبحوا خبراء في التعاملات المالية. وضارع بعض البنكيين اليهود الإسترهازي the Esterhazys في بهاء منشآتهم وعظمتها وأصبح بعضهم أصدقاء أثيرين للأباطرة، وكُرِّم بعضهم باعتبارهم مُنقذين للدولة. ومنح جوزيف الثاني بعض البنكيين اليهود رُتب النبالة تقديراً لوطنيتهم. وكان الإمبراطور يحب عن نحو خاص زيارة ناتان فون أرنشتين Nathan Von Arnstein في بيته حيثُ كان يستطيع مناقشة أمور الأدب والفكر والموسيقى مع الزوجة الجميلة لهذا البنكي اليهودي. إنها فاني إيتسج Fanny Itzig المثقفة المتعدّدة المواهب التي كانت صاحبة أفضل صالونات فيينا.

وكان النبلاء يُسيِّرون أمور الحكومة بكفاءة متوسطة وبغير كثير من الأمانة، وقد نعى جيرمي بنثام Jeremy Bentham في خطاب مؤرّخ في ٧ يوليو ١٨١٧:

"الفساد التام الذي يسود دولة النمسا ويَئس لأنه لم يجد فيها شخصاً شريفا ولم يكن لأيٍ من العوام أن يطمح للوصول إلى منصب قيادي في الجيش أو الحكومة"، لهذا "لم يكن أي من البيروقراطيين (الإداريين) أو الجنود ليبذل الجهد متحملاً الآلام أو المخاطرة للترقي".

فامتلأت صفوف الجيش بالمتطوعين الكسالى أو المجنَّدين إلزامياً أو بالمتسولين المكرهين على الخدمة والمجرمين والراديكاليين، فلا عجب إذن أن كانت الجيوش النمساوية تتعرض لهزيمة منكرة أمام الكتائب الفرنسية التي كان يمكن لأي فرد فيها أن يصل إلى رتبة القيادة بل وينضم إلى جماعة الدوقات المحيطين بنابليون.