ولم يكن في ذلك الوقت فن آخر ينافس الدراما في فيينا سوى فن واحد. إنه ليس فن العمارة لأن النمسا كانت قد أنهت في سنة ١٧٨٩ عصرها الذهبي الذي تميز بطراز الباروك. إنه ليس الأدب لأن الكنيسة أناخت بكلكلها على فكر العباقرة كما أن عصر جريليبارتسر Grillparzer (١٧٩١ - ١٨٧٢) لم يكن إلا في بدايته. وفي فيينا ذكرت مدام دي سيتل أن الناس لا يقرءون إلا قليلاً فقد كانت الصحف اليومية تكفي لإشباع حاجاتهم الأدبية كما هو الحال في بعض المدن اليوم، وكانت صحيفتا Wiener Zeitung (صحيفة ابن فيينا)، و Wiener Zeitschrift، صحيفتين ممتازتين.
وكانت الموسيقى بطبيعة الحال هي الفن الأعلى مقاماً في فيينا فقد كانت الموسيقى في النمسا وألمانيا أقرب ما تكون إلى محلّى يفضله العامة كهواية أكثر من كونها عملا يحترفه المحترفون. فقد كان النمساويون والألمان يعتبرون بيوتهم ينبوع الحضارة وحصنها، فقد كان غالب الأسر المتعلمة لدى كل منها آلات موسيقية وكان يمكن لبعضها تقديم مقطوعات موسيقية تشترك في أدائها أربع آلات (أو بتعبير آخر تقديم مقطوعات رباعية)، وبين الحين والآخر كان يجري تنظيم كونشرتات لمشتركين دفعوا - سلفاً - ثمن حضورهم، لكن الكونشرتات العامة (الحفلات الموسيقية العامة) التي يُتاح حضورها للعامة كانت أمراً نادرا. وبذلك كانت فيينا مدينة مزدحمة بالموسيقيين الذين أفقر بعضهم بعضاً بسبب كثرتهم.
فكيف بقي هؤلاء الموسيقيون؟ لقد كان ذلك في غالبه بسبب قبولهم دعوات (أو حتى بدون دعوة تضمن لهم حقوقهم المالية بعد ذلك) النبلاء الأثرياء ورجال الإكليروس ورجال الأعمال أو بتأليف مقطوعات موسيقية وإهدائها إليهم. لقد ظل حب الموسيقى ورعايتها تراثاً وتقليدا توارثه حكام أسرة الهابسبورج طوال قرنين، واستمر ذلك بشكل فعّال في فترة حكم جوزيف الثاني وليوبولد الثاني وابن ليوبولد الأصغر ونعني به الأرشدوق ردولف Rudolf (١٧٨٨ - ١٨٣١) الذي كان تلميذا لبيتهوفن وراعياً له في الوقت نفسه.
وقدمت أسرة الإسترهازي the Esterhazy كثيرين ممن دعموا الموسيقى ورعوها، لقد رأينا الأمير ميكلوس جوزيف إسترهازي Miklos Jozsef Esterhazy (١٧١٤ - ١٧٩٠) يرعى هايدن Hayden