باعتباره جواز مرور إلى الجحيم. وكانت أم كارل - على أية حال - قد لاحظت ابتهاجه بالأرقام ومهارته في التعامل معها، وراحت الأم تقتصد وتوفر لتدبير المال اللازم لإرساله إلى المدرسة الابتدائية ثم المدرسة الثانوية Gymnasium وهناك أحرز تفوقا سريعا في الرياضيات حتى إن معلمه دبر له لقاء مع الدوق تشارلز وليم فرديناند البرونسفيكي Charles William Ferdinand of Brunswick وتأثر الدوق فدفع للصبي المصاريف الدراسية طوال ثلاث سنوات في كلية كارولينيم Collegium Carolinum في برونسفيك، وبعد اجتيازه اختباراتها التحق بجامعة جوتنجن (١٧٩٥) وبعد أن قضى فيها عاما لم تكن أمه قادرة على فهم دراسة ابنها للأرقام والدياجرامات diagrams (رسومه البيانية) فسألت معلمه عما إذا كان هناك أمل في أن يحقق ابنها درجة الامتياز، فكان رده: سيكون ابنك أعظم علماء الرياضيات في أوربا وربما تكون الأم قد سمعت قبل موتها ما قاله لابلاس Laplace من أن جاوس قد حقق بالفعل نبوءة معلمه. إنه الآن في نفس درجة أرشميدس ونيوتن.
إننا لن نتظاهر بفهم اكتشافاته، ولن نخوض في الشرح إلا في أقل القليل - اكتشافاته في نظرية الأرقام، والأرقام التخيلية وحساب التفاضل والتكامل والحساب اللانهائي - وبهذا نقل جاوس علم الرياضة من الحال التي كان عليها في أيام نيوتن إلى علم يكاد يكون جديدا، فأصبح بذلك (أي علم الرياضيات) أداة لما حققه العلم من معجزات في عصرنا. بل إنه هو نفسه راح يطبق نتائج الرياضيات في ستة حقول من حقول المعرفة. وأدى رصده لمدار أكبر السييرات Ceres (أكبر الكواكب السيارة الصغيرة بين المريخ والمشتري) ومراقبته إلى صياغة منهج جديد وسريع لتحديد مدارات الكواكب كان أول هذه السييرات (الكويكبات) قد تم اكتشافه في أول يناير سنة ١٨٠١. وأجرى أبحاثا أقامت نظرية المغناطيسية والكهربية على أسس رياضية. لقد كان بركة لكل العلماء كما حملهم عبئاً ذلك أنه آمن بأن العلم لا يعتبر علما إلا إذا صيغ في شكل رياضي وبمصطلحات رياضية.
وكان هو نفسه شائقا كعلمه، فبينما هو يعيد بناء العلوم، ظل نموذجاً للتواضع، فلم يكن عجولا لنشر مكتشفاته ومن هنا لم يحظ بالإطراء لهذه المكتشفات إلا بعد وفاته، وأحضر أمه العجوز لتعيش مع أسرته ومعه، وراح يخدمها بنفسه ويمرضها دون أن يسمح