وكانوا ينظرون إلى نابليون كملحد عديم الضمير، واعتقدوا أن همجيّته الوافدة هي التي أحرقت المدينة المقدّسة. لقد اعتبروا إسكندر مذنباً لأنه قبل في وقت من الأوقات صداقة مثل هذا الرجل (نابليون)، وفي بعض الأوقات كانوا يخشون أن يستولي هذا الشيطان الحي على سان بطرسبرج أيضاً ليذبح ملايين من الروس.
وكان بعض النبلاء يفضلون إبرام تسوية مع نابليون لإخراجه من روسيا مخافة أن يثير الأقنان (عبيد الأرض) ويحرّرهم في أي وقت، لكن معظم المحيطين بإسكندر كانوا يحثّونه على المقاومة. وكان الأجانب المحيطون: شتاين Stein، أرندت Arndt، مدام دي ستيل De Stael والعديد من المهاجرين الفرنسيين الذين تركوا فرنسا إثر أحداث الثورة الفرنسية - كانوا يرّددون معه أنه مع تطور المعركة سيجد نفسه (أي إسكندر) ليس قائداً لبلاده فقط وإنما أيضاً زعيما لأوربا والمسيحية والحضارة. ورفض إسكندر الإجابة عن ثلاث رسائل أرسلها له نابليون من موسكو عارضاً عليه السلام. ولما وجدت الأرستقراطية الروسية أن الأسابيع تمضي أسبوعا بعد أسبوع دون أن يحرك نابليون ساكنا ودون مزيد من العمليات، بدءوا يفهمون حكمة كوتوزف في عدم التحرك، ووطّنوا أنفسهم على حرب طويلة، ومرّةً أخرى راحت قصور العاصمة تتألق بالكونتيسات اللائي تزيّن ملابسهن المجوهرات، وبالضباط بحللهم الرسمية الفخورة يتحركون بثقة راقصين على أنغام الموسيقى التي لم تشعر أبداً بالثورة.
وبعد أن خمدت النيران في موسكو أمر نابليون رجاله بالعناية بالجرحى أو المعدمين (الذين لا يجدون قوتاً) بصرف النظر عن أعراقهم، واتخذ الترتيبات لخزن المؤن التي تركها المواطنون الروس أو استهلاكها على وفق نظام خاص. وكان نابليون يجيب عن الرسائل والاستفسارات التي يحضرها حاملو الرسائل من بلاد رعاياه، وقد راح يفخر في وقت لاحق بأنه طوال إقامته في موسكو لم يقع واحد من حاملي الرسائل - وكانوا يصلون إليه يومياً - في أيدي الأعداء طوال مراحل الطريق. وأعاد نابليون تنظيم جيشه كما أعاد تجهيزه باللازم، وحاول أن يجعل جنوده في حالة قتالية جيدة بالمداومة على التدريبات. لكن جنود الجيش الفرنسي ملّوا هذه العروض. لقد كانت الحفلات الموسيقية والمسرحيات يقدمها الموسيقيون الفرنسيون الذين كانوا مستقرين في موسكو (قبل الغزو الفرنسي)،