وحرية العبادة وعدم انتهاك الرسائل والبيوت، والحصانة من القبض والعقاب إلا بإجراء قانوني (١)، وحرم التعذيب والمحنة وفُكتْ عن جماعة الـ "إيتا" قيودهم الطبقية، وسُوِّى بين الطبقات كلها أمام القانون من الوجهة النظرية، وأصلحت السجون، ودفعت الأجور للمسجونين على عملهم، حتى إذا ما أطلق سراح المسجون أعطي مبلغاً من المال متواضعاً يبدأ به حياة جديدة في زراعة أو تجارة؛ وعلى رغم ما أتاحه هذا التشريع للناس من حرية فقد ظلت الجرائم قليلة الحدوث (٧).
ولو اعتبرنا رضى الناس بالقانون عن طواعية علامة على مدنيتهم، عددنا اليابان في طليعة الأمم الحديثة حضارة (إذا استثنينا عدداً قليلاً من حوادث الاغتيال).
ولعل أهم ما يميز الدستور الجديد هو إعفاء الجيش والأسطول من كل رئاسة إلا رئاسة الإمبراطور، فإن اليابان لم تنس قط ما وقع لها من ذل في عام ١٨٥٣، ولذا صممت على إنشاء قوة عسكرية تمكنها من السيطرة على تقرير مصيرها بنفسها، وتجعلها في النهاية سيدة الشرق كله؛ فلم يكفها أن تعمم التجنيد، بل جعلت من كل مدرسة في البلاد معسكراً للتدريب الحربي، وثدياً يُرضع النشء بلبان الحماسة الوطنية؛ وكان لهؤلاء الناس استعداد عجيب للنظام والطاعة، سرعان ما انتهى بقوتهم العسكرية إلى درجة أتاحت لليابان أن تخاطب "الأجانب الهمج" مخاطبة الند للند، كما أتاحت لها احتمال ابتلاعها للصين جزءاً جزءاً، وهو أمل طاف برأس أوربا، لكنه لم يتحقق لها؛ وحدث عام ١٨٩٤ أن أرسلت الصين حملة عسكرية لإخماد ثورة في كوريا، وأن لبثت تعيد وتكرر القول بأن كوريا دولة تابعة لسلطة الصين، فلم يعجب اليابان هذا كله، وأعلنت الحرب على معلمتها القديمة، وأدهشت العالم بسرعة
(١) أدت حمى الحرب التي اقتضتها مغامرة منشوريا إلى التضييق من هذه الحقوق تضييقاً شديداً.