والخلق الياباني - شأنه شأن الخلق الإنساني في كل بقاع الأرض - مؤلف من أشتات متناقضة، لأن الحياة تضعنا في ظروف مختلفة كل حين، وتتطلب منا أن نأخذها بالشدة حيناً والرقة حيناً، وباليسر حيناً وبالصرامة حيناً، وبالصبر حيناً والشجاعة حيناً، وبالتواضع حيناً والكبرياء حيناً، لهذا لا ينبغي لنا أن نأخذ على أهل اليابان جمعهم بين العاطفية والواقعية، وبين رقة الإحساس وصرامة الجد في الحياة، وبين طلاقة التعبير والكتمان، وبين سرعة التأثر وكبح الجماح؛ إنهم يغلب عليهم المرح والفكاهة وحب المتعة، ويميلون إلى الانتحار الذي يروع المتفرج بمنظره، وهم رقاق القلب - نحو الحيوان غالباً ونحو المرأة أحياناً - لكنهم قساة في بعض الأحيان على الحيوان والرجال (١)، وإن الياباني الصادق في يابانيته ليتصف بكل صفات الجندي المحارب - الاعتداد والشجاعة والاستعداد لملاقاة الموت استعداداً لا يضارعه فيه مضارع؛ ومع ذلك كله تراه في كثير من الأحيان يحمل بين جنبيه روح الفنان - فهو مرهف الحس سهل التأثر رقيق نشيط محب للاطلاع والبحث ذو ولاء وصبر، وله قابلية شديدة لاستيعاب التفصيلات، وهو ذو دهاء وحيلة ككل ذي جسد ضئيل، وذكاؤه وقّاد، تراه لا يبرع في الخلق الفكري، لكنه قادر على الفهم السريع والاقتباس والمهارة العملية؛ ولقد اجتمعت في الياباني روح الرجل الفرنسي وغروره، وشجاعة البريطاني وضيق أفقه، وحرارة الإيطالي واستعداده للفنون، ونشاط الأمريكي وميله للتجارة، وحساسية اليهودي ودهاؤه.
ثم جاء اتصالهم بالغرب وصراعهم معه، فغيروا حياة اليابان الأخلاقية
(١) حدث في الاضطراب الذي أعقب زلزال سنة ١٩٢٣، أن سكان يوكوهاما من اليابانيين - بينما كانت تمدهم سفن النجدة الأمريكية بالقوت - استغلوا الشعب وذبحوا مئات (وقيل آلافاً) من دعاة التغيير ومن الكوريين العزل في الطرقات (٢٤)؛ والظاهر أن وطنياً متحمساً قد أثار اليابانيين بإعلانه أن الكوريين (الذين كانوا عدداً ضئيلاً) يدبرون قلب الحكومة وقتل الإمبراطور.