للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ففي كثير من القبائل أسلم الرجال والنساء معاً أنفسهم للإبرة الصابغة وتحملوا في غير تململ حتى وشم الشفاه؛ ففي جريلنده تَشِمُ الأمهات بناتهن في سن مبكرة ليمهدن لهن الزواج عاجلا (٤٤)؛ لكن الوشم في أغلب الحالات لم يكن له ما أراده الناس من وضوح وتأثير؛ لذلك طفق عدد من القبائل في كل قارة يَصِمُ الجسمَ بوصمات عميقة ليكونوا أجمل منظراً في أعين زملائهم، أو أبشع هيئة في أعين أعدائهم؛ فكما قال عنهم "ثيوفيل جوتييه" Theophil Gautier: " إنهم لما عزت عليهم الثياب ووسائل الزينة، زينوا جلودهم" (٤٥)، فكانوا يجرحون أجسامهم بحجر الصوّان أو بقواقع المحار، ثم كثيراً ما يضعون في الجرح كرةً من الطين لتوسع من الوصمة؛ فأهالي "مضيق تورس" كانوا يجعلون بصماتهم شبيهة بشكل الضب أو التمساح أو السلحفاة (٤٦)، ويقول "جيورج" Georg: " لست تجد من أجزاء الجسم جزءاً لم يجملوه أو يزينوه أو يشوهوه أو يصبغوه أو يحرقوه أو يشموه أو يصلحوه أو يبسطوه أو يقبضوه، مدفوعين إلى ذلك بالعجب بأنفسهم والرغبة في التجميل (٤٧) فقبيلة "بوتوكودو" Butocudos استمدت اسمها هذا من خابور يغرزونه في الشفة السفلى وفي الأذنين حينما يكون الناشئ في سنته الثامنة، ثم ما ينفكون يستبدلون به خابوراً أكبر حتى تبلغ الفتحة اتساعاً طول قطره أربع بوصات (٤٨)؛ والنساء الهوتنتوت يعملن على إطالة الشفرتين الصغيرتين حتى تبلغا طولا عظيما، بحيث يتكون منها ما يسمّى بـ "فوطة الهوتنتوت" التي تلقى عند رجالهم إعجاباً عظيما (٤٩)، وكانت أقراط الآذان وأقراط الأنوف ضرورات لا غنى عنها؛ حتى لقد ذهب سكان "جبِسلندة" Gippsland إلى أن من يموت بغير قرط في أنفه سيلاقي في الآخرة عذاباً أليماً (٥٠)؛ وكأني بالسيدة العصرية تقول عن ذلك كله إنه وحشية فظيعة، تقول هذا إذ هي تثقب أذنيها للأقراط، وتصبغ شفتيها وخديها، وتلقط شعرات حاجبيها، وتقيم أهداب جفنيها