وأثمر ذكاؤه وجده ثمرتهما الطبيعية؛ فلما أن بلغ الخامسة والعشرين كان تاجراً له مصالح مالية في ثلاث قارات؛ ولما بلغ السادسة والثلاثين أحس بأنه قد حصل من المال كفايته فاعتزل التجارة ووهب وقته كله لعلم الآثار. "لقد كنت وأنا في غمرة الأعمال التجارية دائم التفكير في طروادة أو فيما قطعته لوالدي من عهد على أن أكشف عن آثارها"(١).
وقد اعتاد في أثناء اشتغاله بالتجارة أن يتعلم لغة كل بلد يتجر معه، وأن يكتب بهذه اللغة ما يتصل بأعماله في مفكرته اليومية (٤). وبهذه الطريقة تعلم اللغات الإنجليزية، والفرنسية، والهولندية، والأسبانية، والبرتغالية، والإيطالية، والروسية، والسويدية، والبولندية، والعربية. ثم ذهب إلى بلاد اليونان ودرس فيها لغة الكلام الحية، وسرعان ما أصبح في مقدوره أن يقرأ اليونانية القديمة والحديثة بنفس السهولة التي يقرأ بها الألمانية؛ فلما تم له ذلك أعلن:"إني لا أستطيع أن أعيش بعد الآن في غير أرض اليونان القديمة"(٦). ولما أبت زوجته الروسية أن تغادر روسيا أعلن في الصحف رغبته في الزواج بيونانية، ووصف بغاية الدقة كل ما يطلبه في هذه الزوجة، ثم اختار في السابعة والأربعين من عمره عروساً في التاسعة عشرة من بين الصور الشمسية التي أرسلت إليه. ولم يكد
(١) وقد كتب شليمان يقول: "ولكي أستطيع تعلم المفردات اليونانية بسرعة حصلت على ترجمة يونانية حديثة لبول وفرجيني، وقرأتها من أولها إلى آخرها، وقابلت كل كلمة بأختها في النص الفرنسي. فلما فرغت من هذا العمل عرفت على الأقل نصف ما يحتويه الكتاب من المفردات اليونانية، وبعد أن كررت هذه العملية نفسها مرة أخرى عرفتها كلها، أو كدت، من غير أن أضيع دقيقة واحدة في البحث عن هذه المفردات في معاجم اللغة. أما النحو اليوناني فلم أتعلم منه إلا علامات الإعراب والأفعال، ولم أضيع وقتي الثمين في تعلم قواعده لأني رأيت أن التلاميذ بعد أن يلاقوا العذاب ثماني سنين أو أكثر منها يكدحون في تعلم قواعد النحو اليوناني، يخرجون من المدرسة وليس منهم من يستطيع أن يكتب خطاباً باللغة اليونانية القديمة دون أن يرتكب فيه مائة من أشنع الأغلاط. ولهذا أيقنت أن الطريقة التي يتبعها المدرسون في تعليم اللغة خاطئة من أولها إلى آخرها … أما أنا فقد تعلمت اللغة اليونانية القديمة كما لو كنت أتعلم لغة من اللغات الحية".