ولا تزال بعض هذه الحجارة في أماكنها حتى الآن، والكثير منها يبلغ طوله ست أقدام وعرضه ثلاثاً وسمكه مثلها، أما أصغرها فيقول بوسنياس "إنه يصعب على زوج من البغال أن يحركها من أماكنها"(١٥). وكان في داخل الأسوار، وراء مدخل شيد على نمط كثير من مداخل الحصون فناء واسع مرصوف، حوله طائفة من الأعمدة، ومن حول هذه الأعمدة عدد كبير من الحجرات شبيهة بحجرات نوسس، تجتمع حول بهو فخم سعته ألفا وثلاثمائة قدم مربعة، أرضه مرصوفة بالأسمنت المطلي وسقفه مقام على أربعة عمد بينها موقد. وهنا وجد مبدأ جرت عليه العمائر اليونانية يختلف عما كان متبعاً في كريت - وهو فصل الجناح الذي تقيم فيه النساء عن حجرات الرجال. فقد كانت حجرة الملك وحجرة الملكة متجاورتين ولكنهما - على قدر ما نستطيع أن نستدل عليه من آثارهما - منفصلتان إحداهما عن الأخرى كل الانفصال ولا صلة بينهما من داخلهما. ولم يعثر شليمان من هذا القصر الحصين إلا على أساس الطابق الأرضي، وقواعد الأعمدة، وأجزاء من الجدران. وفي أسفل التل وجدت بقايا البيوت المقامة من الحجارة أو الآجر، والقناطر، وقطع من الفخار القديم. وفي هذا الموضع كانت مدينة تيرينز يف عهد ما قبل التاريخ تتقارب بيوتها لتحمي نفسها تحت أسوار القصر. ذلك أنه لا مفر لنا من أن نتصور بلاد اليونان في عصر البرنز تحيا حياة غير آمنة حول هذه القلاع الإقطاعية وفي داخلها.
وعلى بعد عشرة أميال شمالي هذه المدينة شاد برسيوس (إذا أردنا أن نصدق قول بوسنياس)(١٦) مدينة ميسيني - أعظم عواصم اليونان قبل التاريخ. وهنا أيضاً نشأت حول قلعة منيعة مدينة من عدة قرى، تضم عدداً من السكان النشيطين زراع، وتجار، وصناع، ورقيق، كانوا سعداء لأنهم ليس لهم تاريخ.
وبعد ستمائة عام من ذلك الوقت وصف هومر ميسيني بأنها "مدينة حسنة البناء واسعة الطرقات، موفورة الذهب"(١٧). ولقد أبقى الزمان