أو المهندس الروماني، أو القديس الهندي، أو الفنان الياباني، أو الحكيم الصيني؛ لا بد لنا أن نسلك سبيلنا من علم الأجناس البشرية- عن طريق علم الآثار- لننتهي إلى التاريخ.
إن الباحثين ليملأون بطاح الأرض كلها ينقبونها بحثاً: طائفة تريد الذهب، وطائفة تريد الفضة، وثالثة تنشد الحديد، ورابعة تسعى وراء الفحم، وكثيرون إلى جانب هؤلاء يطلبون المعرفة؛ فيالها من مهمة عجيبة هذه التي يضطلع بها مَن يستخرجون آلات العصر الحجري من جوف الأرض عند ضفاف السوم، ويدرسون بأعناق مشرئبة الصور الناصعة المرسومة على أسقف الكهوف من عهد ما قبل التاريخ، ويخرجون جماجم قديمة من مدافنها عند "تشوكوتين" Chou Kou Tien ويكشفون عن المدائن الدفينة في "موهنجودارو" Mohengo-daro أو "يقطان" Yucaton؛ وينقلون الأنقاض في سلال تحملها القوافل في مقابر المصريين التي استنزل أصحابها اللعنة على نابشيها، وينفضون التراب عن قصور "مينوس" و "بريام" ويزيلون الغطاء عن "برسوبوليس" ويحفرون الأرض في إفريقية حفراً ليجدوا بقية من قرطاجنة، وينقذون من ثنايا الغابات معابد "أنجور" العظيمة! لقد عثر في فرنسا "جاك بوشيه دي برت" في سنة ١٨٣٩ على أول أثر من الصوّان مما خلَّفه العصر الحجري؛ ولبث العالم يسخر منه تسعة أعوام كاملة، لأنه كان في رأي العالم عندئذ مخدوعاً؛ وفي سنة ١٨٧٢ أزال "شليمان"- بماله الخاص، ويوشك أن يكون قد أعتمد على يديه دون غيرهما في ذلك- أزال التراب عن أحداث مدائن طروادة وإنها لكثيرة؛ لكن العالم كله ابتسم له ابتسامة المرتاب؛ ولعل التاريخ لم يشهد من قرونه قرناً اهتم أهله بالتاريخ كالقرن الذي تلا رحلة شامبليون الشاب في صحبة نابليون الشاب إلى مصر (عام ١٧٩٨) وعاد نابليون من رحلته خالي الوفاض؛