كانوا يحرثون الأرض، ويشمُون وهم فرحون الأرض السوداء بعد تقليبها، ويتتبعون بأعينهم في فخر وخيلاء الخطوط المستقيمة التي خطتها المحاريث، ويبذرون القمح ويروون الأرض، ويقيمون الجسور ليتقوا بها فيضان الأنهار في الشتاء (١٩). ويشعرنا هومر بيأس الفلاح الذي قضى الشهور الطوال في كدح مستمر، ثم يأتي "التيار الجارف السريع فيهدم الحواجز والجسور، ولا تستطيع سلسلة الأكوام الطويلة أن تكبح جماحه، أو أسوار البساتين المثمرة حين يفاجئها أن تقف في سبيله (٢٠). وليست أرض البلاد مما يسهل فلحها لأن الكثير منها جبال أو مناقع، أو تلال كثيفة الأشجار؛ وكانت الحيوانات البرية تهاجم القرى، فكان الصيد ضرورة قبل أن يصبح رياضة وهواية. وكان الأغنياء يعنون بتربية قطعان كبيرة من الماشية، والضأن، والخنازير، والمعز، والخيل؛ ويُروى أن رجلاً منهم يسمى إركثونيوس Erichthonius كان له ثلاثة آلاف فرس ولود مع أمهارها (٢١). وكان الفقراء يأكلون لحم السمك، والبقول، والخضر أحياناً، أما المحاربون والأغنياء فكان جل اعتمادهم على اللحم المشوي الكثير، وكان فطورهم اللحم والنبيذ. وقد تغذى أديسيوس مع راعي خنازيره بخنزير صغير مشوي، وتعشيا بثلث خنزير عمره خمس سنوات". وكانوا يستعملون عسل النحل بدل السكر، ودهن الحيوان بدل الزبد، والكعك المصنوع من الحب بدل الخبز، فكانوا يجعلونه رقائق ثم يخبزونه على لوح من الحديد أو على حجر محمي. ولم يكن الآكلون يضطجعون في أثناء تناول الطعام كما كان الأثينيون يفعلون فيما بعد، بل كانوا يجلسون على كراسي ممتدة على طول الجدار لا مصفوفة حول مائدة وسطى. ولم يكونوا يستعملون الأشواك أو الملاعق أو الفوط إلا ما عسى أن يكون مع الضيوف من مدي؛ وكانوا يأكلون بأيديهم وأصابعهم (٢٣)؛ وكان شرابهم الرئيسي حتى الفقراء والأطفال هو النبيذ المخفف.
وكانت الأرض ملكاً للأسرة أو العشيرة لا للفرد؛ وكان الأب هو الذي