للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المائلة، وأيديها المقبوضة، وأطرافها المعتدلة المتصلبة (١). وقد وجد مهندسو اليونان بعض إلهامهم الفني، الذي أوحى إليهم بالعمد المحززة وبالطراز الدوري، في عمد سقارة، وبني حسن، كما وجدوا بعضه الآخر في بقايا ميسيني اليونانية (٨). وكما أن بلاد اليونان قد تعلمت في شبابها من مصر واعترفت لها بالفضل، فإنها حين خارت قواها ماتت في أحضان مصر إذا جاز هذا التعبير، فقد مزجت في الإسكندرية فلسفتها، وطقوسها الدينية، وآلهتها بنظائرها في مصر وبلاد اليهود حتى تبعث وتحيا حياة جديدة في رومة وفي المسيحية.

وكان أثر فينيقية في اليونان لا يزيد عليه إلا أثر مصر نفسها. فقد كان تجار صور وصيدا المغامرون وسيلة طوافة لنقل الثقافة، ونشروا في جميع أقاليم البحر الأبيض المتوسط علوم مصر والشرق الأدنى، وصناعاتهما، وفنونهما، وطقوسهما الدينية. ولقد بز الفينيقيون اليونان في صنع السفن ولعل اليونان قد أخذوا هذه الصناعة عنهم؛ وعلموهم كذلك أساليب في طرق المعادن، والنسيج والصباغة خيراً من أساليبهم (٩)، وقد اشتركوا مع كريت وآسية الصغرى في نقل الصورة السامية للحروف الهجائية إلى بلاد اليونان بعد نمائها وتطورها في مصر واليونان وسوريا. وأخذت بلاد اليونان عن بابل نظام موازينها ومكاييلها (١٠)، وساعتها المائية ومزولتها (١١)، ووحدات العملة المتداولة فيها، وهي الأبول Obol، والمينا Mina، والتالنت (الوزنة) (١٢)، وقواعد علم الفلك، وآلاته، وسجلاته، وحسابه، ونظامها الستيني الذي يقضي بتقسيم السنة والدائرة والزوايا الأربع القائمة التي تتقابل في مركزها إلى ٣٦٠ جزءاً، وتقسيم كل درجة إلى ٦٠ دقيقة وكل دقيقة من هذه الستين إلى ٦٠ ثانية؛ ولعل معرفة طاليس بعلم الفلك عند المصريين


(١) انظر تمثال كاريز Chares الجالس الذي عثر عليه في ميليتس والمحفوظ في المتحف البريطاني، أو رأس كليوبس Cleobis الذي صنعه بليميدس Polymedes والمحفوظ في متحف دلفي.